مقالات من مدونات قديمة


الدويقة مابعد الكارثة ....
 12 سبتمبر 2008
مرت ايام عديدة على كارثة انهيار بعض صخور المقطم على منطقة الدويقة و حتى الان مازالت الجهود تبذل في البحث عن الذين دفنوا تحت الصخور , قد تبدو الجملة السابقة عنوان خبر في احد الصحف او مانيشت يعبر عن ان الحكومة مازالت تبذل قصارى جهدها في البحث عن الضحايا من ناحية و في التخفيف من الكارثة من ناحية اخرى , و قد تجد اسفل هذا العنوان صورتان الاولى للجهود المستمية التي يبذلها رجال الانقاذ و الثانية للاسر التي نقلت الى مساكنها الجديدة و هي فرحة سعيدة متناسية ما قد حدث منذ ايام قليلة , قد يبدو كل هذا جميل .. جهود مبذولة من الحكومة و تحركات ايجابية من عناصر الامن و الانقاذ و فرحة ترسم في النهاية على وجوه من استطاعوا اخيرا ان يحصلوا على شقة من شقق المحافظة , كل هذا لم يحدث الا بعد الكارثة.                                                                          
فدائما ما نتحرك بعد الكوارث , دائما ما نصحو بعد ان يكون قد فات الاوان , و في كارثة المقطم قد فات الاوان حقا فلن تعيد الشقق الجديدة ارواح الضحايا و لن تمحو جهود الحكومة ذنوبها السابقة في الاهمال و لن تتبدل دموع الكارثة بفرحة من حصلوا على شقق المحافظة , بل كل هذا يؤكد على المقولة السابقة فنحن دائما ما نتحرك بعد الكارثة .
و لكن دعونا نتناقش قليلا حول ما كان يمكن ان يحدث لمنع تلك الكارثة او على الاقل التقليل من حجمها , و عندما نخوض في هذا سنجد انفسنا واقفين امام صورة اكبر من منطقة الدويقة هي صورة المجتمعات العشوائية التي قد ملأت اركان و جنبات القاهرة .
المناطق العشوائية بين الخطر و الاهمال .
------------------------------
تعد المناطق العشوائية في القاهرة احدى القنابل الموقوتة التي يحتضنها المجتمع المصري منتظرا منها ان تنفجر , و لكن لماذا كانت تلك المناطق و المجتمعات و لماذا صارت العشوائية ثقافة يتمتع بها عدد كبير من المصريين ؟
للاجابة على هذا السؤال علينا ان نعود بالتاريخ للوراء قليلا منذ ان بدأت المجتمعات العشوائية المماثلة في الظهور او بمعنى ادق في الاتساع و يرجع هذا الي ما قبل منتصف حقبة الثمانينات بقليل , حيث صارت الهجرات الى القاهرة على اشدها و عاد حلم المدنية يلاحق مخيلة العديدين من ابناء المحافظات الاخرى او من ابناء البدو و الغجر الذين قد استقروا اخيرا في القاهره , و بعد زيادة الحشود الوافدة على العاصمة و بعد ان وجدت الحكومة نفسها واقعة في ازمة استيعاب كل هذا العدد من المهاجرين قامت بتفعيل قانون وضع اليد مرة اخرى و هو الذي اعطى الفرصة لمن لا سكن لهم بأن يبنوا مساكنهم على اي قطعة ارض يجدونها و من منزل واحد الى اثنين الى عشره الى مجتمع كامل في قلب و جنبات العاصمة , و لربما قد تركت الحكومة "الحبل على الغارب" كما يقولون لواضعي اليد لعجزها عن توفير المساكن الملائمة لهم فأخذ الوافدون الجدد في بناء مساكنهم بأنفسهم بشكل عشوائي يفتقر بالطبع للتنظيم و للبنية التحتية اللازمة لقيام اي مجتمع بصورة لائقة , و قد حدث - سواء بمحض الصدفة او عن قصد - ان تنشأ بعض تلك المجتمات بجوار بعض الاحياء الراقية في مصر , و لن نتطرق بشكل كبير الى نوايا اصحاب تلك المناطق او اسلوب معيشتهم في البداية و لكن قد نتحدث عن ما بدر منهم في الفترة الاخيرة بحكم انني مجاور لاحد تلك المناطق العشوائية و ربما تكون من اكثرها شهرة و خطورة خاصة في نهاية التسعينيات .
بين جرائم القتل و السرقة بالاكراه و تجارة المخدرات و الدعاره تنوعت وسائل و اساليب الجريمة في تلك المجتمعات حتى صار ذكر احد تلك المجتمعات ينشر الذعر بين المواطنين ,  و لكن كيف اصبح حالهم هكذا و لماذا صارت تلك المناطق منبعا او مصدرا للجريمة ؟
قد يعود السبب الرئيسي في تلك الاشكالية الى الاهمال الجسيم من قبل الحكومة و الى النظرة المتدنية من قبل المواطنين المجاورين لتلك المناطق , فطالهم قصور التعليم و الثقافة بل صاروا كمية مهملة و طاقة معطلة في المجتمع مما ادى الى اتجاههم بشكل تلقائي و طبيعي الى ان يكونوا طاقة سلبية تعلن عصيانها على هذا المجتمع الذي اهملهم في البداية , و كانت الصورة الاساسية لهذا العصيان هو لجريمة بكل اشكالها , فلو قررنا القاء اللوم على ابناء تلك المناطق و المجتمعات في نشر و زيادة معدلات الجريمة في مصر فعلينا قبلا ان نلوم و نعاقب انفسنا اننا لم نستغل تلك الطاقة بشكل ايجابي كما حدث في المجتمعات المتحضرة و قد اردت ان اعطي صورة عامة لتلك المناطق في هذه المقالة حتى نفهم ما قد يأتي فيما بعد و سوف اعد لكم ملفا كاملا في الايام المقبلة عن تلك المناطق و تاريخها .
نعود الان الى الموضوع الرئيسي و هو كارثه الدويقه و كيفية مواجهتنا للكوارث .
تعودنا انه من الطبيعي ان تسبق الامتحانات النتائج فلا نتيجة بلا امتحان , وو لقد رسبت حكومتنا بلا فخر في كل الامتحانات التي خاضتها في مادة مواجهة الكوارث , فلقد مرت على مصر على مر السنين كوارث عديده منها زلزال 92 و كوارث القطارات المتعددة و كارثة العبارة بالاضافة الى حوادث الطرق التي تحدث يوميا و اعدها كارثه مسلسله على عكس الكوارث الاخرى التي تحدث مرة واحده , و لقد كان اداء الحكومة و تصريحاتها دوما بعد كل كارثة مخيبا للامال , و ان كانت جهود الحكومة تبذل فعلا دون شك الا ان تصريحاتها التي تلقي اللوم دائما على القدر و المواطنين تمحو ادائها مهما كان هاما و كبيرا , و كمثال امامنا ماحدث منذ ايام في منطقة الدويقه , فلقد صاح الكثيرين من الجيولوجيين منذ ان انهارت احد صخور المقطم على محارق الزبالة في السابق بان المقطم في خطر و ان سكان المناطق التي تعيش تحت هضبة المقطم في خطر اعظم , و لكن لا حياة لمن تنادي , حتى حدثت الكارثة الاخرى التي حتى كتابة تلك السطور مازالت تحصد ارواح الابرياء ممن لا ذنب لهم سوى اننا قد اغفلناهم و تناسيناهم , و بعد الكارثة صاح اخرون باننا يجب ان نجد حلا حتى نحقن دماء الابرياء من ابناء هذا الشعب و قد يحدث كما حدث في السابق - و هو ما لا اتمناه - و نرى التصريحات تخفت و الكارثه تتضائل حتى تنسى و نعود لسباتنا و نومنا فنصحو في النهاية على كارثه اخرى تحصد ارواح المصريين .
سنقف الان امام الاشكالية الكبرى في هذا الموضوع و هي لماذا هذا الاخفاق و لماذا لا نتمتع بالقدرة على مواجهة الكوارث كما تتمتع بها المجتمعات المتحضرة ؟
قد يرجع السبب الى تفشي الفساد و قد يرجع الى التكاسل و رغم ان الفارق كبير الا ان النهاية واحدة و هي حدوث الكارثة , الفساد الذي صار وبائا يجتاح الشعب المصري و يحصد معه الارواح حصدا , و التكاسل الذي صار عادة عندنا و يتحول مع الوقت الى لامبالاة قاتله , و منذ سنوات قد صدر قرار بانشاء مساكن ملائمة لابناء تلك المناطق العشوائية لينعموا بحياة ان لم تكن بالكريمة فهي على الاقل حياة ادميه , و لم نسمع عن تلك المساكن شيئا الا بعد الانهيار حيث خرج المحافظ ليعلمنا انه كان سيبدأ في تسكين ابناء الدويقة في مساكنهم الجديدة في ميعاد سبقته الكارثة باسبوعين , هل كان القدر متربصا بقرار المحافظ و لم يرد له ان ينعم بانجازه ام ان هذا الميعاد جاء متأخرا نتيجة التكاسل و الاهمال الذي تحدثنا عنه في السابق , نفس التكاسل و الاهمال الذي لم يجعل الحكومة تنتبه منذ سقوط الصخرة السابقه في نهاية التسعينات و حتى الان من ان المقطم مازال متعرضا لانهيارات اخرى , و سواء كانت الحكومة ستتخذ اجرائاتها الوقائية ام لا لم يعد امام الشعب المصري سوى عدم التصديق كما حدث مع الفتى الذي صار يكذب على اهل القرية من ان الذئب يأكل نعاجه , فكثرة التصريحات و عدم مصداقيتها اضطرنا لعدم التصديق كما فتح الباب امام القيل و القال و الشائعات التي تتهم الحكومة بما هو ابشع من الاهمال و ايضا لا سبيل سوى تصدقيها .
و نحن لا نطالب الحكومة ان تتدخل لتمنع القدر فاي بلد و اي مجتمع معرض لحدوث كوارث و هذا من عند الله و لكننا نطالبها بان تتخذ ما يمكن اتخاذه للتقليل من حدة الكارثة و ان تتحرك في اتجاه اعطاء هؤلاء المواطنين حقهم في الحياة الادمية التي يستحقونها قبل ان تنهار عليهم صخور اخرى او قبل ان تنهار علينا السماء باكلمها و للحديث بقية .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حوار فلسفي : الانسان و المجتمع و اشكالية الجزء من الكل 
18 سبتمبر 2008
لا يختلف احدا منا على ان الانسان هو وحدة بناء اي مجتمع و بالتالي فان الفرد هو عضو فعال في المجتمع و الذي يتشكل من مجموعة من الافراد , و طبيعة المجتمعات قد تختلف فيما بينها فاذا نظرنا الى التاريخ نجد ان فكرة المجتمع في البداية كانت قائمة على الفكرة القبلية اي مجموعة من الافراد متشاركون في السلالة او النسل بمعنى ان يكونوا من جد واحد و اسرة واحده و تتطور الامر ليشمل الانساب و بالتالي فان المجتمع القبلي كانت تجمعه صفة الدم الواحد.
و مع بدء الحركة الحضارية للبشر ظهر نوعا جديدا من المجتمع يضاف الى المجتمع القبلي و هو المجتمع المتشارك في الارض و المصلحة و كمثال على ذلك الدولة المصرية القديمة و التي تعد اولى المحاولات الانسانية لخلق مجتمع مدني بدائي خاصة حينما بدأت اشكال الهجرة الى مصر متمثلة على سبيل المثال لا الحصر في هجرة بني اسرائيل الى ارض مصر و الذين و ان عانوا التفرقة في بداية الامر الى انهم وصلوا الى حد كبير من المساواة خاصة في عصر النبي يوسف و عصر التوحيد على يد الفرعون اخناتون.
مع بدايات ظهور الاديان ظهرت فكرة المجتمع الديني و الذي يتشارك اعضاءه في مسألة الدين و العقيدة الواحده كاليهود و المسيحيين و المسلمين و ان كانت طبيعة الديانة اليهودية تجمع بين الفكرة القبلية و الدينية معا الا ان المجتمع الاسلامي و المسيحي على السواء قد قاموا اساسا على فكرة العقيدة الواحده و ليس الدم الواحد.
بالاضافة الى صور المجتمعات انفة الذكر هناك المجتمع العرقي و هو المتمثل في مجموعة من الافراد قد تشاركوا في مسألة العرق و الجنس او كما عرف فيما بعد بالعنصر و منها اتى مسمى العنصرية , و يعد المجتمع العرقي واحد من اهم و اقدم صور المجتمعات البشرية لما له من خصوصية لدى افراد تلك المجتمعات و لما له من احداث تاريخية نتجية الاضطهاد الذي تعرض له ابناء تلك المجتمعات و على سبيل المثال اضطهاد الامريكيين للمجتمع الاسود و اضطهاد المانيا النازية للمجتمع اليهودي و الاقلية العرقية الاخرى في العالم.
في الفقرات السابقة تعرضنا الى بعض الامثلة على فكرة المجتمع  فما علاقة هذه الامثلة بما ذكر في بداية الحوار عن مسألة الفرد و المجتمع ؟
اذا نظرنا الى صورة المجتمع الحالية سنرى ان فكرة القبلية و العرقية و الدين قد بدات تختفي في المجتمعات المتحضرة ففي امريكا الان هناك مرشح اسود للرئاسه كما يمكن لليهودي ان يعيش في المانيا او النمسا متمتعا بكل حقوق المواطنة كما يمكن لاي مسلم ان يعيش في انجلترا متمتعا بكل حقوقه دون النظر الى العداء القديم المتمثل في الحروب الصليبية القديمة , و يعني كل هذا ان صورة المجتمع المتحضر قد اختلفت كليا و جزئيا عن الماضي جراء انخراط العديد من العناصر داخل المجتمع الواحد و بالتالي يجب ان تتطور القوانين عن صورتها القديمة فالمجتمع القبلي كانت تحكمه قوانين القبيلة و ابناء الدين الواحد تحكمهم قوانينهم الدينية , و بما ان المجتمع الان لا يعترف بالقبلية و العرقية و بما ان المجتمع الحضاري يضم معتنقي العديد من الديانات فبالتالي يجب على هذا المجتمع الذي يرغب في ان يوضع في مراتب الحضارة ان تتحور قوانينه لخدمة افراده مع اختلاف عقائدهم و عرقهم.

نعود الى المسألة الاساسية و هي اشكالية الجزء من الكل , هل حقا صار الفرد هو جزء من المجتمع ام انه صار المجتمع ذاته ؟

كان المجتمع قديما هو المتحكم في حياة الفرد و ذلك نظرا لما ذكر سابقا من انه كانت هناك قوانين محددة هي المسيطرة على حياته و مع زوال تلك المسيطرات و مع اندماج المجتمعات القديمة في صورة جديدة مدنية فلا حل امام المجتمع الحديث الا ان يكون مجتمعا مدنيا و ان توضع قوانين جديدة لخدمة الفرد كوحدة بناء للمجتمع او كعضوا فعالا في هذا المجتمع و يعني هذا انه لم يعد الفرد جزء من المجتمع المسيطر عليه كما كان في السابق بل صار الفرد هو كل المجتمع و صار المجتمع هو وحدة خدمة الفرد و سوف نتحدث عن هذا بالتفصيل في احاديث قادمة , ارجو ان اكون قد وفقت في عرض وجهة نظري و سانتظر تعليقاتكم و نقدكم و اسألتكم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماذا حدث لانسانية المصريين
20 سبتمبر 2008

ابن يقتل امه و يقطعها نصفين , ام تقتل رضيعتها و تقول انها قتلتها بامر الله , دكتور يقتل تاجر ادوات كهربائية و يشوه جثته , الاخوه يقتلون اخاهم بمساعدة زوجته , الخ الخ الخ
جرائم القتل موجوده في كل المجتمعات بغض النظر عن عددها المتباين من مجتمع لاخر , و لكن يتميز مجتمعنا في الفترة الاخيرة بجرائم قتل من طراز خاص , جرائم تهتز لها قلوب البشر في اي مجتمع اذا حدثت مرة في السنه , و لكنها تحدث عندنا في شهر من المفروض و المعتقد انه شهر الخير و الحب و التسامح , الشهر الذي تسلسل فيه الشياطين و يترك فيه الانسان ليثبت بالدليل القاطع ان الشيطان ما هو الا تلميذ في مدرسة الجريمة الانسانية .
منذ ان ارتكب الانسان خطيئة القتل عندما قتل قابيل اخاه و هو غارق في تلك الجريمة الى يومنا هذا , و كما نعرف جميعا فقد قتل قابيل هابيل لسبب هو الغيرة و الحقد لم يكن بدافع مالي و لم تكن قد تأصلت عند الانسان احاسيس الاخوة بعد بل كان الانسان واقعا في حيرة من امره لم يكن قد تفهم بعد طبيعته و طبيعة مشاعره , و بعد ان وصل الانسان الى هذا المبلغ من التقدم في العلوم الانسانية و بعد ان استطاع ان يفهم الى حد ما بعض من طبيعته مازال الانسان يقتل و ربما لاسباب هي اقل تدني و حقارة من الحقد و الغيرة التي كانت الدافع وراء قتل قابيل لاخاه .
و لكن ايا كانت تلك الاسباب كيف يمكن للابن ان يقتل امه بل كيف يمكن ان تأتيه الجرأه و برود الاعصاب و يقوم بتقطيعها اجزاء دون ان تطرف له عين , كيف يمكن للام ان تقتل وليدتها و تقول ان هذا بأمر الله اي اله هذا الذي يمكن ان يأمر بالقتل و اي نفس حقيرة تلك التي ترجع  القتل الى امر الاهي , كيف يمكن لمن تعلم ان يداوي جراح و الام المرضى بل صار يعلم الاخرين كذلك ان يدنس نفسه بخطيئة القتل , لاي سبب كان يمكن للانسان ان يعود بنفسه الى اكثر الخطايا دونية و بشاعه .
و لكن دعونا قبل ان نناقش الخطيئة و اسبابها ان نقارن بين جرائمنا و بين الجرائم التي ترتكب في باقي انحاء العالم , و المقارنة لن تتناول نوعية الجرائم بل ستتناول الكم , فالجريمة هي الجريمة في اي مكان في العالم و يكن معدل الجرائم هو الذي يختلف و بما اننا نسمع دائما ان المجتمع المصري في سبيله للنهضة و التحضر فسنحاول ان نقارن بيننا و بين المجتمعات المتحضرة التي نسمو للوصول اليها , مثل المجتمع الاوربي و الذي انخفضت فيه معدلات الجريمة الى حد كبير جدا و المجتمع الامريكي الذي تلخصت فيه الجريمة في الاوساط المعدمة او المهاجرون غير الشرعيون , و بدون الخوض في الارقام فالجملة السابقة تضع خطا عريضا لتلك المقارنة , فمع ازدياد معدلات الجريمة في المجتمع الذي مازال يتشدق بكونه مجتمعا دينيا محافظا على اصول دينه تنخفض تلك المعدلات في المجتمعات التي نصفها نحن بالانحلال , و مع انتشار الجريمة في كل اوساط المجتمع المصري بما فيها المتعلمة بل ذات التقدم الاكاديمي تنحصر الجريمة في تلك المجتمعات على الاوساط و الفئات المهمشة فقط , و يعود هذا الى اسباب عديدة ستجعلنا نخوض الان في اسباب الجريمة نفسها .
تتعد اسباب الجريمة من الناحية الظاهرية و لكنها تصب في النهاية لسبب واحد و هو السبب الاقتصادي , فالام التي قتلت وليدتها مدعية انه امر الله وضح مع التحقيقات و شهادة الشهود و على رأسهم شقيقها انها تعاني من مرض نفسي سببه الحالة المعيشية التي وضعتهم تحت خط الفقر مثل الملايين من الاسر المصرية , اما قاتل امه و الذي تجرد من كل المشاعر الانسانية بل و الحيوانية ايضا قد اعترف انه قتل امه بايعاذ و تحريض من خطيبته التي وذته كالشياطين بان يتخلص من امه من اجل السبعة الاف جنيه التي ادخرتهم للزمن حتى يتمم زفافه , يقتل امه لانه يفكر في الزواج " ماعلينا " , اما الحادث الاغرب فهو حادث الطبيب الذي قتل تاجر الادوات الكهربائية و مثل بجثته ببشاعة لا تقدر الحيوانات الضارية في الغابات على تحملها فقام في ست ساعات و نصف بقطع الجثة الى اجزاء و حرقها ثم جمعها في حقائب و دهسها بسيارته قبل دفنها و كل هذا في نهار رمضان و للعلم القاتل مسلم , و كان سبب الجريمة ايضا مالي و لكن لا يخلو من الغرابة فالقتيل هذا المرة هو المديون و القاتل هو الدائن فاي عقل يمكنه ان يصل بان يرتكب مثل تلك الجريمة و هل كان يفكر القاتل في انه يعاقب القتيل , و كيف يمكن لمن تعلم ان يداوي جراح الاخرين ان يتسبب في جرح اسرة باكملها فتترمل الزوجة و تتيتم الطفلة ذات التسع سنوات و التي لا تعرف حتى الان ماذا حدث لوالدها , و كما لاحظنا فالجرائم كلها بدافع مادي فالام التي تعاني الفقر سولت لها نفسها انها بقتلها لرضيعتها سوف تحميها من الفقر و عذابه و الابن قاتل امه ظن انه سينعم بمالها لينزوج اما الاخير فاعجز عن وصف دوافعه اكثر مما قلت .
اذا الفقر هو الدافع الرئيسي وراء جرائم القتل المصريه و هو الدافع الرئيسي وراء انخفاض معدلات الجريمة في اوربا التي صارت لا يوجد فيها فقراء , فهنا من لا يستطيع ان يتزوج يقتل و من يطمح في ان يعيش كمن حوله يقتل و من يود ان يكسب كسبا سريعا يقتل و ربما هناك من يقتل بينما اكتب تلك السطور لمثل هذا السبب , قاتل جديد و ضحية جديدة كل يوم في نهار رمضان ذلك الشهر الذي اسأل الله ان يسلسل فيه الانسان و ان يطلق الشياطين علها تكون اكثر رحمة على رفقائها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ارفعوا ايديكم عن عقولنا
22 سبتمبر 2008
خرج علينا في الفترة الاخيرة مشايخ السعودية الكرام ببعض الفتاوى الجديدة التي من شأنها اصلاح المجتمع الاسلامي كما يدعون , الاولى قد اصابتني بهيستريا من الضحك و الثانية ارتعدت اوصالي لها , و الاثنتين اشتركا في كونهما قد خرجا عن شيخين لهم ثقلهم في المجتمع السعودي و في كونهما يؤديان الى هدف واحد رغم اختلافهما , جاءت الفتوى الاولى على لسان عبد العزيز أل الشيخ مفتي الديار السعودية و التي قضى فيها بتحريم مشاهدة مسلسل نور التركي زاعما انه يهدف الى تفكك الاسرة العربية المسلمة كما انه يحث على الفساد و الرزيلة و كم اود ان اسأل فضيلة الشيخ ان كان قد شاهد المسلسل حقا ام انه يغار من مهند بطل المسلسل و الذي اصبح في ليلة و ضحاها حلما و فارسا لبنات الامة العربية و نسائها , و رغم اختلافي على هذا المسلسل من حيث القوة الفنية او الدرامية يأتي اختلافي مع فضيلة الشيخ اكبر من حيث تدخله الغير مبرر في عملا يحتمل النقد الفني و الفكري لا النقد الديني , فالمسلسل لم يتعرض من بعيد او قريب للشريعة او الدين و يعني هذا انه مبدئيا ليس من حق المفتي ان يتقلد منصب الرقيب و يتلق فتاوى من شانها ان تحدث "دوشه على الفاضي " لمسلسل لا يستحق مثل كل هذه الضجة .
جاءت الفتوى الثانية على لسان الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الاعلى في السعودية و الذي اباح دماء اصحاب القنوات الفضائية التي تقوم قنواتهم بعرض المواد الاعلامية او الفنية المخلة او الفاضحة , ففي لحظة نسى فضيلة الشيخ ان منصبه الذي من شأنه اقامة العدل لا يتيح له الفرصه بأن يصدر مثل تلك الفتوى التي لا توصف الا بكونها فتوى اجرامية يجب ان يتهم فيها بالتحريض على القتل , فمن ذا الذي يملك الحق يا سعادة الشيخ بأن يستبيح دماء الاخرين من ابناء دينه او غيرهم , من الذي اعطاك انت و امثالك الحق في ان تكونوا الهة تحكم و تتحكم في ارواح البشر , و السؤال الاهم كيف سيكون احساسك عندما يقوم احد الجهلاء المتشددين من قتل شخص بريء لفتوى كنت قد اصدرتها انت ؟؟
الفتوى الثالثة و هي ايضا فتوى كوميديا رغم خطورتها هي فتوى تحريم لعبة البوكيمون و التي حرمتها هيئة العلماء نفسها , اما اسباب الفتوى فهي ان لعبة البوكيمون تثبت للاطفال نظرية داروين و التي تحاربها السعودية و اتباعها من دراويش الفكر الوهابي المتخلف زاعمين انها كفرا , رغم ان العلم اثبت بما لا يدع مجال للشك ان كثيرا مما جاء في نظرية الارتقاء و التطور لداروين صحيحا مئه بالمئه , و لكن مازال الجهلاء يحاربون كل ما يظنون انه يعارض القرأن و هم لا يعلمون منه شيئا و كأن القرأن بهذا الضعف لتدمره لعبة اطفال و كأن الله و العياذ بالله لا يستطيع ان يدافع عن قرأنه و كأن حضارة الاسلام صارت ضعيفة ليهددها مسلسلا تليفزيوني ضعيف المستوى .
فتاوي تبدو في ظاهرها حمقاء و لكن يسيل في باطنها انهارا من نيران التخلف و حمم الارهاب , فالى متي سنظل نسمح لهؤلاء بان ينشروا فكرهم المتخلف الداعي للجهل و الانعزال عن العالم الى متى سنظل واقعين تحت سيطرة من يحسبون الجهل دينا من يريدون لنا ان نبقى واقفين عند الف و اربعمائة سنة مضت و لا يريدون لنا ان نعبر بحر التحضر , لقد كانت امة الاسلام في سابق عهدها امة تحضر و انسانية و لم يأتي فيها سوى قلائل ممن دعوا للقتل و التخريب و حرموا ما لم يحرمه الله , قليلون من جاءوا لينصبوا نفسهم الهة علينا يامرون و يتحكمون , كلهم ذهبوا و بقى الاسلام فكرا و حضارة و تحضر و نورا يحث الانسان على الاطلاع و الرؤية , و كما ذهب اسلافهم سيذهبوا و الى غير رجعه و لكننا حتى يحين ميعادهم علينا ان نرفض فتواهم المحرضة الارهابية علينا ان نقول لا ارفعوا ايديكم عن عقولنا و انهي حواري بجملة قد اوردتها الكاتبة الصحفية الكبيرة امال عثمان اثناء تعليقها على هذا الموضوع باننا امة ضحكت من جهلها الامم , فعلينا ان نستيقظ حتى لا تضحك على جهلنا الامم اكثر من هذا , و للحديث بقية 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطلحات مظلومة : المجتمع المدني
25 سبتمبر 2008

كلما ذكر مصطلح المجتمع المدني كلما صاحت الاصوات الجاهلة بان مثل هذا الفكر يدعو الى التخلف و الانحلال و ترك الاسس الدينية , و ربما يرجع هذا الى ما يقوله البعض من ان معنى المجتمع المدني هو المجتمع اللاديني مما يعني ان المدنية و المواطنة ضد الدين , كما يرجع هذا الى ان فكرة المجتمع المدني قد برزت مع الفلسفات و الانظمة العلمانية و الليبرالية التي تلاقي حربا ضارية من قبل المجتمعات التي تصف نفسها بالمجتمعات الدينية .
و قد ظهرت بالفعل فكرة المجتمع المدني مع بدايات عصر التنوير في اوربا و ظهور الحركات الليبرالية الديموقراطية على يد عدد من المفكرين و الفلاسفة الاوربيين امثال جون لوك و فولتير و ادم سميث و اميانويل كانط و غيرهم ممن دعوا الى اقامة مجتمعات يكون اساسها فكرة المساواة و الحرية و الاخاء و هي المصطلحات التي قامت على اساسها الثورة الفرنسية , و لن نخوض كثيرا في تاريخ الليبرالية و بداية فكرة المجتمعات المدنية لانني عن قريب بأذن الله سوف اطرح عليكم موضوعا مفصلا عن الليبرالية و معناها و تاريخها , و لكن دعونا نتحدث عن المجتمع المدني بصورته الحالية و عن اسباب الحرب الضارية التي تقوم بها المؤسسات الدينية ضد هذا الفكر الانساني الذي ساد العالم اجمع .
في البداية علينا ان نعرف معنى مصطلح المجتمع المدني , المجتمع المدني هو ذلك المجتمع الذي يهدف الى خدمة الفرد بعينه  بمعنى انه لا يصب في خدمة جماعة بعينها و انما يصب في خدمة الفرد ايا كانت انتمائاته , و بشكل مبسط فان المجتمع المدني هو نظام اجتماعي يسعى لاذابة كل الفروق الموجوده داخله و انه لا يعترف سوى بحق المواطنه اي بمعني حق المواطن في كونه فرد عامل و مؤثر في هذا المجتمع , دعونا نشرح الموضوع بشكل اكثر تفصيلا و سيجعلنا هذا ننظر نظرة سريعة على حاجة المجتمع لمثل هذا النظام في يومنا هذا , و قد ذكرت ذلك بشيء من التفصيل في موضوع " الانسان و المجتمع و اشكالية الجزء من الكل " و الذي كنت قد نشرته سابقا و ملخصه هو ان صورة المجتمع قد اختلفت تماما عن السابق فلم يعد المجتمع موحدا في الديانة او العرق او الانتماء السياسي , بل صار المجتمع الواحد يجمع بين العديد من الديانات و الاعراق و يعني هذا ان المجتمع صار في حاجة ملحة لنظام يستطيع ان ينظم و يخدم حياة هؤلاء .
و من هنا جاءت فكرة المجتمع المدني , فلم يعد من الممكن ان اجبر المسيحين على اتباع قوانين المسلمين و العكس صحيح , كما لا يمكن ان اعامل اصحاب البشرة السمراء معاملة تخلو من الانصاف امام القضاء مثلا , هذا بالنسبة للقواعد البسيطة لفكرة المجتمع المدني اما بالنسبة للنظام السياسي فيعتمد نظام تداول السلطه و تقليص دور الحكومات الى الادوار التنظيمية كما يحتم ان تقع الحكومات تحت اشراف منظمات المجتمع المدني التي من طبيعتها ان تضم خبراء المجتمع في جميع المجالات لتقييم دور الحكومة في خدمة المجتمع , و على الجانب الاجتماعي فالمجتمع المدني هو مجتمع الحريات , حرية العقيدة و الدين و التعبير و القول , بل انها تلزم الحكومة باحترام اصحاب العقائد كافة و توفير الامن لهم لممارسة شعائرهم بحرية و دون خوف , كما تختفي صور القمع و الكبت الموجودة في مجتمعاتنا و تحل محلها قيم احترام التعبير و الرأي الاخر و الحوار , و لكن ان كان هذا و باختصار شديد هو معني المجتمع المدني و هدفه فلماذا كل هذا الهجوم اذا ؟؟؟
يرجع هجوم رجال الدين في مجتمعنا على فكرة المجتمع المدني لعدة اسباب منها الظاهر و الباطن , و احد هذا الاسباب هو ان فكرة المجتمع المدني قد ظهرت مع ظهور الحركات الليبرالية و التي يعدها رجال الدين فكرا الحاديا مدمرا للعقيدة و هذا يخلو تماما من الصحة , و لكن رجال الدين في يومنا هذا صاروا يشبهون رجال الكنيسة الكاثوليكية في العصور الاوربية المظلمة حيث كانوا يخافون من ظهور اي فكر انساني قد يؤثر على قوتهم مدعين ان هذا الفكر مضاد للدين , و هذا ما يفعله رجال ديننا هذه الايام حيث ينعتون اي فكر فلسفي بأنه الحادا و يصفون اي مفكر او صاحب رأي او فيلسوف بالكافر , بل وصل بهم الحال الى تحريم الفلسفة و دراساتها , كل هذا لظنهم او ربما ادعائهم ان مثل هذا الفكر الانساني لا هم له سوى هدم اسس الدين و ان كل هذه الفلسفات يسعى الغرب لنشرها لهدم الدين الاسلامي بالرغم من ان بدايات الفلسفة كانت قبل ظهور الاسلام بوقت طويل , و بالرغم من ان التاريخ الاسلامي يعج بالفلاسفة المسلمون بل يعترف العالم اجمع ان ابن رشد الفيلسوف الاندلسي كان سببا رئيسيا في نقل الفلسفات القديمة الى العالم ,الا ان رجال الدين لهم رأي اخر .
و لكن السبب الرئيسي الذي يزيد من الهجوم الضاري على فكرة المجتمع المدني هو ان هذه الفكرة من اهدافها تقليص دور رجال الدين و هو ما يخافونه بالتأكيد , فتقليص دورهم يعني تقليص صلاحياتهم مما يعني ان اشياء كثيرة اخرى سوف تتقلص , و لذلك نرى دور المؤسسات الدينية خاصة في المملكة العربية السعودية دورا هاما جدا في تلك الحرب , فلقد تبنى الفكر الوهابي السعودي الداعي للظلام و الجهل  فكرة الهجوم على اي فكر و كل فكر قد ينير عقل الانسان و يحرره من سلطة رجال مثله قلدوا انفسهم مراتب الالوهية , و هو ما يحدث بالفعل الان فوصف دعاة الحرية بالفسقه و وصف الليبراليين بالكفره لا يعني الا ان هؤلاء يريدون لعقولنا ان تبقى مظلمه حتى نظن انهم هم من سينيرها و لكنهم يزيدونها ظلاما , لماذا و ما المصلحة من وراء هذا ؟؟؟ في حديث مقبل ان شاء الله 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اني احلم .. نعم بامكاننا
06 نوفمبر 2008
اني احلم .... جملة كان قد اطلقها الزعيم السياسي الامريكي العظيم مارتن لوثر كينج (1929 – 1968 ) , ذلك الرجل ذو الاصول الافريقية و الذي سخر حياته حتى اغتياله لخدمة مباديء المواطنة و حقوق الزنوج و الاقليات في حياة يتساوون فيها مع اقرانهم البيض , كان يحلم كينج باليوم الذي ينسى فيه البشر مسألة الاعراق و الاجناس و اللون و الدين , ليتحدوا في سبيل قضية واحدة و على هدف واحد هو ان يعرف العالم معنى السلام و التعايش الحقيقيين .
اني احلم .... جاءت تلك الكلمة لتهز مشاعر 250 الفا من الامريكيين ( 60 الف منهم من البيض ) الذين زحفوا صوب النصب التذكاري لابراهام لينكولن , رافعين شعارات تندد بالتفرقة العنصرية و تطالب بالغائها , مضيئين مشاعل الحرية و الديموقراطية و نبذ التعصب و العنف , واقفين وراء زعيمهم الاسود اللون الابيض القلب العظيم المشاعر و الفكر , ذلك الرجل الذي دفع حياته ثمنا لهذا الحلم , حلما كان كل مبتغاه كما قال كينج " إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم " .
اني احلم .... كلمة اسطورية لرجل اسطوري القاها في تظاهرة هي الاكبر و الاضخم في تاريخ المطالبة بالحقوق المدنية , لم يكن يعلم كينج ان بعد وفاته باربعون عاما سيتحقق هذا الحلم و سيأتي رجل اسود اللون نحيل ليس له في الولايات المتحدة الامريكية كلها قبرا لاحد اسلافه من الاب , لم يكن يعلم كينج انه قد اتي شابا كينيا مسلما للدراسة في الولايات المتحدة الامريكية ليتزوج من امرأة بيضاء و ينجب منها طفلا ثم ينسحب كما لو ان القدر قد اخبرهانه الى هنا قد انتهت مهمته, لم يكن يعلم كينج ان هذا الطفل سوف يصبح يوما ما فارس حلمه الذي اقتحم بحصانه ابواب البيت الابيض ليصبح اول رئيس امريكي منتخب من اصول افريقية مسلمة , ليتولى منصبا هو الاهم و الاكبر ليس في الولايات المتحدة الامريكية و حسب و انما في العالم اجمع , لم يكن يعرف مارتن لوثر كينج انه سوف يأتي اليوم الذي يشهد فيه العالم كله ان من كان عبدا في يوما ما اصبح الان سيدا يقف على قدمين ثابتتين معلنا انتصاره و تحقيق الحلم امام ما يقارب 250 الف شخصا و هو نفس الرقم الذي خطب فيه مارتن في العام 1963 عندما قال اني احلم .
اني احلم ..... نعم بامكاننا .
45 عاما هو الزمن الذي استغرقه هذا الحلم , 45 عاما تفصل بين الحالم و حلمه , 45 عاما بين اني احلم و بين نعم بامكاننا .
نعم بامكاننا ... هكذا اطلقها باراك اوباما ذلك الرجل الذي يعد تجسيدا لحلم كينج , قال انه بامكانه حين زعم الكثيرون انه لا يمكن لرجل يحمل اسمه و لونه و اصوله ان يجلس على كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي , قال ان الشعب الامريكي يستطيع ان يختار التغيير في الوقت الذي لم يقتنع بكلامه الكثيرون . و لكنه استطاع , استطاع ان يحقق الحلم ان يوحد الشعب الامريكي و ان يعطينا هو و شعبه الذي انتخبه درسا لن ننساه في الديموقراطية كما ينبغي ان تكون , في الانسانية باسمى صورها , في معنى كلمة الفضاء الانساني , ذلك الفضاء الذي تحلق فيه روح الانسان دون النظر لاعتبارات عرقية او دينية , الفضاء الذي لا يفرق فيه بين انسان و اخر على اي اساس سوى ما تنطوي عليه اخلاقهم كما قال مارتن لوثر كينج .
نعم بامكاننا .... صرخة اطلقها معه الامريكيين الذين امتلأت بهم احدى ساحات شيكاجو , و اطلقها معه الشعب الامريكي في سائر ارجاء الولايات المتحدة الامريكية , بل اطلقها معه العالم اجمع , العالم الذي رأي امامه للحظات مارتن لوثر كينج و مالكوم اكس و غيرهم واقفين وراء اوباما مشجعين له صارخين معه انه نعم بامكاننا .
نعم بامكاننا .... بامكان العالم اجمع ان يتغير بامكانه ان يتحسن و بامكانه ان ينظر الى يوم الرابع من نوفمبر من العام 2008 على انه يوما تاريخيا سوف تتحدث عنه كتب التاريخ حتى يرث الله الارض و ما عليها , يوما اعلن فيه الشعب الامريكي انه قد اجتاز باغلبية ساحقة عهود التفرقة البائده , انه يستطيع ان يختار رئيسا اسودا اذا كان في هذا مصلحة البلاد , هذا هو الشعب الامريكي الذي كلما نقدناه و هاجمناه كلما ابتعدنا عنه كلما زاد اعجابنا به , حلمت امريكا و استطاعت في 45 عاما ان تحقق الحلم و يحلم العالم و سيستطيع فطالما وجد الحلم وجدت الارادة و اصبح كل شيء في الامكان , فلنبحث عن حلمنا و عن اوبامانا فلعلنا يوما ما نستطيع نحن ايضا , و لكن هل حقا نستطيع ؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كرامة العرب = حذاء
23 ديسمبر 2008
افرحوا يا عرب و تبادلوا التهاني , هللوا و انسوا احزانكم , فلقد جاء مخلصكم و معز هاماتكم , جاء منتظر الزيدي بجواده الابيض و حذاءه الاسود لينتقم لكم و لشرفكم المغتصب و لعزتكم و كرامتكم المسلوبة , جاء حفيد صلاح الدين ليعيد لنا الامجاد بحذائه , ذلك الحذاء الذي اخذ بثأركم , فها هي امريكا ترتجف و ها هم قادة اسرائيل يبحثون ايجاد حلا وقائيا لسلاحنا الجديد الجبار , الحذاء .
هل فرحتم و هللتم و تبادلتم التهاني , حسنا , و الان لينظر كل منكم في مرآة و يشير باصبعه الى نفسه فيها ثم يضحك مقهقها , فهذا هو ما نستحقه حقا بعد ان وضعنا الزيدي في مصاف الابطال و بعد ان ظننا اننا ارهبنا اعدائنا و استردينا كرامتنا , فلقد استطاع ذلك الحذاء التاريخي ان يعيد امجاد العرب , او هكذا تظنون .....
قد يخالفني الرأي الكثيرون عندما اقول ان ما فعله منتظر الزيدي ليس بالبطولة بل انه عملا غوغائيا لا يصح ان يصدر عن صحفي و ان كان مبتديء , و قد يعارضني السواد الاعظم حينما اقول افيقوا يا عرب فذلك الحذاء لم يرد لكم هيبتكم , و ان كان العالم قد ضحك على بوش و هو ينحني متفاديا الحذاء فقد ضحك عليكم ايضا و سخر من ضعفكم , و دعونا نناقش الامر بواقعية بعيداعن المشاعر .
في البداية علينا توضيح امرا هاما و هو ان منتظر الزيدي مراسل لقناة عراقية مما يعني انه من العاملين بمجال الصحافة و هو ما يحتم عليه ان يسلك سلوكا يتناسب مع مهنته و ادابها و مواثيقها , و يعني هذا ايضا ان مهنته قد اعطته سلاحا خير من الحذاء الف مرة و هو عقله الذي يتحكم في قلمه و صوته , فكان بامكان الزيدي ان يحرج بوش و ان يضعه في موقفا محرجا بسؤال ذكي , اما ان يقذفه بالحذاء فهذا بعيدا كل البعد عن استعمال العقل , من ناحية اخرى علينا ان نفرق بين موقف اطفال فلسطين الذين يرشقون الجنود الاسرائيلين بالحجارة و بين موقف منتظر , فهؤلاء الاطفال لا يملكون سوى الحجارة سلاحا ضد الاحتلال اما منتظر فله سلاحه , كما ان وقفة اطفال فلسطين في وجه الدبابات ليست كوقفة منتظر امام رئيس ضيف في مؤتمر صحفي .
و هناك بعدا اخر علينا ان نناقشه و هو وجهة نظر الغربيين في هذه الحادثة , فلقد افردت الصحف الامريكية و الاوربية مساحات كبيرة للحديث عن بوش و حذاء الزيدي و لقد لاحظت شيئان خلال تصفحي لتلك الصحف , الاول هو ان كل كتاب تلك الصحف بلا استثناء اخذت على عاتقها مهمة توضيح معنى القاء الحذاء في وجه شخص عند العرب مما يعني ان ثقافة الحذاء التي نمتع بها نحن غير متواجده في ثقافة الاوربيين و الامريكين و بالتالي اعتبرها بوش اسلوبا للاعتراض كما قال في نهاية المؤتمر , اما الشيء الثاني فهو المناخ الديموقراطي الذي اشارت اليه تلك الصحف و التي تقول انه هو الذي سمح للزيدي ان يقوم بهذا الفعل و هذا ما لا تتمتع به الشعوب العربية الاخرى , و لنضع خطوطا عريضة تحت الجملة الاخيره , فهل من الممكن ان يقوم صحافي او اي شخص كان بأن يرفع يده فقط امام اي من رؤساء و ملوك و امراء الدول العربية ؟ الاجابة و بالتأكيد هي لا , بل سنفترض انها حدثت كيف ستكون ردة فعل الحرس الخاص بهذا الزعيم ؟ الاجابة و بالتاكيد هي انه كان سيضرب بالرصاص ثم ستقول الصحف في اليوم التالي انه احد المختلين عقليا , سؤالا ثالثا هو : الا يستحق نور المالكي نفسه الفردة الاخرى من الحذاء ؟ الاجابة هي نعم , اذا لما لم يلقي الزيدي فردته الاخرى عليه ؟ لان هذا هو حالنا نحن العرب تربينا على الا نرفع اعيننا في وجوه زعمائنا و لا اعلم ان كان هذا احتراما ام لانهم قما يقول العامة " كاسرين عنينا " .
على اية حال دعونا نترك الزيدي و حذائه و بوش و مصائبه فلقد تحدث عنها الكثيرون , و دعونا نتحدث عن الجانب الاخر من هذا الموضوع و هو ردة فعلنا نحن الجماهير العربية , فرغم توقعي لردة الفعل تلك الا انني قد فوجئت من الحد الذي وصلت اليه , بدءا من اطلاق النكات على الحذاء و على بوش نهاية بالعرض السعودي لشراء الحذاء بملايين الدولارات , اقاويل و انفعالات ان كانت تدل على شيء فلا تدل الا على اننا اكثر الشعوب انهزامية و تفاهة في العالم اجمع , و سامحوني في ذلك القول و لكنها الحقيقة , و دعوني اواجهكم بحقيقة اخرى و هي ان حذاء الزيدي لن يخرج الامريكيين من العراق و لن يرفع الحصار على غزة و لن يرد للشعوب العربية ما سلب منها من كرامة و عزة بل سيظل صورة حية و دليلا ملموسا و واقعيا على مدى الضعف الذي وصلنا اليه , فلقد اصبحنا نهلل للحذاء الذي استطاع ان يهين بوش , ذلك الرجل الذي رغم غبائه المعهود واجه الموقف بطريقة فيها من الذكاء ما يجعلني احسده , فحينما قال ان تصرف الزيدي دليلا على المناخ الديموقراطي الذي خلقته امريكا في العراق بدا و كأنه يخبرنا انكم ابعد ما يكون عن الديموقراطيه و ابعد ما يكون عن حسن استغلالها , و انا هنا لا اقر ان الامريكيين قد اتوا بالديموقراطية حقا و لا اعلن موافقتي على بوش و افعاله بل من اكثر كارهيه و لكني ايضا ضد التصرف الذي ليس فيه من التحضر شيء .
و لأقول كلمة اخيرة , افيقوا من غيبوبة الحذاء يا عرب , فعقولنا و ارادتنا و تأخينا و سواعدنا هي التي سترد كرامتنا , اما الاحذية فلا محل لها في الجملة السابقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غزة .. ما بعد الحرب (1)
19 يناير 2009
انتهت الحرب على غزة او لنقول اوقف القتال و لو بشكل مؤقت , و بعد ان خرست اصوات القذائف و انقشعت ادخنة الفوسفور الابيض تبدأ كل الحقائق في الاكتشاف بشكل اكثر وضوحا من ذي قبل . و يبدأ معها دور التحليل الموضوعي لكل الوقائع بعيدا عن المزايدات و الاحاديث العنترية التي ملأت اذآننا خلال الاسابيع الثلاثة الماضية , و من طبيعة اي حرب او نزاع سواء كان مسلحا او غير مسلح ان تكون له نتائج و ان يكون فيه من مني بالهزيمة او من كان النصر حليفه . و لا تختلف الحرب على غزة عن باقي الحروب من حيث النتائج و لكنها رغم قصر وقتها نسبيا الا انها خرجت علينا بالعديد من الحقائق المخفية او المنسية او التي كنا نصم اذأننا عنها , بل استطاع هذا القطاع البالغة مساحته 300 كم مربع ان يضعنا امام انفسنا و بشكل صارخ و قد يكون قاسي عند البعض , فكانت غزة هي المرأة التي رأينا فيها انفسنا شعوبا و حكامنا و تذكرني بتلك المرأة التي نظر اليها دوريان جراي فرأى فيها كل ذنوبه مما ادى الى قتله كما كان في رائعة اوسكار وايلد .
نعم فالعرب هنا يلعبون دور دوريان جراي و تلعب غزة دور المرأة التي كانت تتحمل ذنوبه حتى واجهنه اخر الامر بحقيقته , فظهر العرب على حقيقتهم , فبين من ادعوا انهم حماة الاسلام و بين من ادعوا انهم سيوف العرب و بين هؤلاء الذين يصفون انفسهم بالاعتدال كادت غزة ان تضيع لولا صمود ابنائها , و ان كان سقوط غزة هو جرح اخر للعروبة فقد يكون صمودها و بقائها اعلانا صريحا بموت العرب .
و لنصل الى تلك النتيجة او غيرها دعونا نحلل و بشكل مبسط كل الاحداث و كل  الادوار التي لعبت خلال فترة الحرب على غزة , و قد يصل بنا هذا التحليل الى الحقيقة او حتى يرشدنا الى طريقها .
في البداية علينا ان نتحدث عن الطرفين الرئيسيين في الحرب و هما اسرائيل من جهة و المقاومة الفلسطينية من جهة اخرى , و لنبدأ باسرائيل صاحبة السبق في تلك الحرب بعدوانها الذي بدأ بغتة بقصف جوي على قطاع غزة ردا على ما اسمته انهاء حماس للتهدئة و اطلاقها للصواريخ في اتجاه جنوب اسرائيل , و بالطبع لمن يكن هذا هو السبب الرئيسي لتلك الهجمات بل يمكنني ان اقول انه كان احد الاسباب الفرعية للحرب على غزة , فلقد كان الجانب الاسرائيلي ينظر الى تلك الحرب بصورة اشد عمقا من مجرد القضاء او حتى اضعاف قوة حماس و الفصائل الفلسطينية الاخرى بل لقد كانت بعض الاراء الاسرائيلية تجد انه من المستحيل القضاء على حماس نهائيا الا بالقضاء على قطاع غزة بالكامل , و هو ما تأكد خلال الاسابيع الثلاثة التي استغرقتها تلك العمليات العسكرية . و كما ذكرت منذ قليل انه لم يكن هذا هو الدافع الرئيسي لتلك الحرب بل كان يلعب هذا السبب دور المحرك للشعب الاسرائيلي الذي يرى في حماس صورة مماثلة لتلك التي كان يراها الفلسطينيون لعصابات الارجون و الهاجانه قبيل اعلان الدولة اليهودية في 48 , اذا كانت هناك اسبابا اخرى لتلك الحرب عند القيادة الاسرائيلية .
ذهب العديد من المحللين الى ان احد اهم الاسباب لتلك الحرب هو محو صورة الهزيمة التي لازمت اسرائيل في حربها على لبنان في 2006 , تلك الهزيمة التي هزت الشعب الاسرائيلي بصورة عميقة فلقد بدأ يشعر بأن قوته التي ابقت على حياته طوال السنوات الماضية خارت و ضعفت امام حزب الله اللبناني فماذا اذا خاضت اسرائيل حربا امام قوة موازية لها في القدر , فما كان امام القيادة الاسرائيلية الا ان تعلن وقتها بأن حرب لبنان لم تكن الا جولة و لكنها ليست نهاية المطاف و بدأت في الاستعداد لخوض جولة اخرى امام قوة ظنت انها ستكون اقل ضراوة من حزب الله و بأنتصارها عليها ستتمكن من تحسين صورتها امام شعبها الذي تأثر كما وضحت من هزيمة تموز 2006 . و كان من الطبيعي ان تكون تلك القوة الاخرى هي المقاومة الفلسطينية , و بدا التفكير في خوض الحرب ضد حماس منذ اللحظة الاولى التي وافقت فيها اسرائيل على وقف اطلاق النار مع لبنان , فاقامت حصارا شديدا على غزة ليس بنية تحجيم الارهاب كما ادعت بقدر ماهو بنية اضعاف حماس و الفصائل و اعدادها لتكون لقمة صائغة في الحرب التي كانت اتية لا محالة , و يدعونا هذا للايمان بالفكرة التي تقول بأن التهدئة المزعومة كان لابد لها ان تنتهي و هذا ما ايقنته اسرائيل و سعت وراءه بحصارها على غزة رغم ان التهدئة لم تكن قد انتهت فعليا و رغم ان صواريخ المقاومة لم تكن بتلك الضراوة التي ادعتها اسرائيل , و كان من الطبيعي على الفصائل التي تنقاد وراء حماسها ان تستمر في اطلاق الصواريخ فكيف تطلب مني تهدئة بينما لا تسمح لي حتى بطلب الطعام و لوازم الحياة الاساسية , فأستمر اطلاق الصواريخ و بدأت حماس تلوح بأن اسرائيل لا تقدر على مهاجمتها و منعها و لعبت اسرائيل كعادتها دور الرجل المظلوم الذي لا يريد الا السلام لتنتهي تلك المسرحية الهزلية بما ارادته اسرائيل و هو ان يكون لها سببا رئيسيا لخوض حربا جديدة و ان تجد لنفسها الذريعة التي تضمن لها مظلة الصمت العالمي الذي لا زال يعيش اجواء الحرب على الارهاب .
و من الاسباب الاخرى التي كانت من الاسباب الرئيسية للحرب على غزة هي الشأن الاسرائيلي الداخلي او انتخابات رئاسة الوزراء الاسرائيلية و التي تتصارع عليها الاحزاب الاسرائيلية كعادتها و كعادتها ايضا يجب على من يريد ان يفوز بتلك الانتخابات ان يغتسل بالدماء الفلسطينية , فبعد فشل تسيبي ليفني " وزيرة خارجية اسرائيل و زعيمة حزب كاديما الوسطي الحاكم " في ان تقنع باقي الاحزاب في الانضمام الى حكومتها الائتلافية مما يدعو الى انتخابات مبكرة طبقا للدستور الاسرائيلي و بعد ان ظهر بينامين نتانياهو " رئيس الوزراء الاسبق و زعيم حزب الليكود اليميني المتشدد " الى السطح مرة اخرى و بعد ان اشارت استطلاعات الرأي الاسرائيلية في نوفمبر الماضي من امكانية فوز نتانياهو و حزبه , كان على ليفني ان تثبت اقدامها في الانتخابات القادمة و ان تحجز لنفسها مقعد رئاسة الوزراء و بقاء حزبها كاغلبية في الكنيست , و من ناحية اخرى نرى ايهود باراك " وزير الدفاع الاسرائيلي و زعيم حزب العمل " محاولا هو الاخر ان ينشط من دور حزبه الأخذ في التضائل سواء على الصعيد الفعلي او من خلال استطلاعات الرأي . و لكل هذا كان لا بد من ايجاد وسيلة لتحريك الرأي العام لاسرائيلي في اتجاه حزب دون الاخر , و وجدت ليفني و اولمرت المنتمي لكاديما ايضا ورقة غزة التي يحضرون لها منذ مدة قد ان الاوان لتظهر الى السطح , و ليتفق معهم ايهود باراك الذي يريد ان يحجزنصيبا له و لحزبه من الكعكة , فانتصار الثلاثة في تلك الحرب و قضائهم على ما يسمونه بالارهاب المتمثل في حماس يعني ضمان اتجاه الرأي العام لصالحهم و ابتعاده بطبيعة الحال عن المنافس الاقوى او الليكود . و لم يكن موقف الليكود موقفا سلبيا او غبيا بل يحسب له تعامله مع الوضع بذكاء يهودي معهود , فصرح نتانياهو في بداية الحرب تأييده الكامل لمجلس الوزراء الحالي و قال ان تلك الحرب لها من الاهمية القصوى ما يجعل كافة احزاب اسرائيل كاديما و لو لوقت مؤقت , و لم يتغير موقفه مع الوقت بل ظل مؤيدا لاستمرار الحرب حتى بعد ان بدأت نتائجها بالظهور و بدا للجميع داخل و خارج اسرائيل ان تلك العملية العسكرية لم تصل الى ايا من اهدافها التي وصفت في بداية الحرب ببنك الاهداف . و لكنه استطاع ان يستغل تلك الهزيمة لصالحه دون ان يغير موقفه فصرح بأن الحرب كانت ضرورية و ان استمرارها ضروري ايضا و لكن قيادة كاديما قد فشلت في التعامل مع تلك العملية و لم تستفد من اخطاء حرب لبنان . و على صعيد اخر حاول حزب ميريتس اليساري المناهض للحرب ان يستغل الموقف لصالحه باعلانه وقوفه بجانب حركات السلام الاسرائيلية , عله يستفيد من اصواتها في انتخابات الكنيست و ربما ايضا يستطيع ان يستميل اصوات هؤلاء الذين قد يغيرون وجهة نظرهم في الحرب . و من هذا كله نستخلص ان غزة ستلعب دورا رئيسيا في الانتخابات الاسرائيلية المزمع عقدها في فبراير القادم و اظن انها ستكون سببا في انتهاء عصر كاديما و عودة الليكود الى كرسي الحكم .
من بنك الاهداف الى بنك الاسباب الذي دعا اسرائيل لحربها على غزة , سببان هما من رأيي الشخصي احد اهم اسباب او دوافع تلك العملية العسكرية . و الاول هو توجية تحذير شديد اللهجة الى حزب الله مضمونه ان اسرائيل مازالت قادرة على تحقيق الانتصارات العسكرية او لنقول بشكل ادق ان غزة كانت لاسرائيل بمثابة مسرحا تقام عليه بروفة اسرائيلية لحرب اخرى على حزب الله , و ينبع ايماني بهذا السبب لبعض النقاط من ارض الواقع . اولا اعلان قادة اسرائيل ان حرب لبنان ماكانت الا تجربة او اختبارا لقوة حزب الله و ان حربا اخرى سيحين وقتها و جاء هذا على لسان قائد المنطقة الشمالية لجيش الدفاع الاسرائيلي , ثانيا التشابه الكبير بين ظروف الحربين فاسلوب قتال حزب الله هو ذاته اسلوب قتال حماس و الفصائل الفلسطينية و هو اسلوب قتال او حرب الشوارع و هو ما لم تعتاده اسرائيل في حروبها النظامية المفتوحة السابقة بالاضافة الى ان السلاح المستخدم من قبل حماس لا يختلف كثيرا عن السلاح الذي يستخدمه حزب الله و يعود هذا لان مصدرهم واحد , ثالثا الاسلوب الذي اتبعته اسرائيل في حربها على غزة و يعد هذا الاسلوب تعديلا او تحديثا لما قامت به القوات الاسرائيلية في جنوب لبنان في 2006 مما يعني ان اسرائيل تقوم بتجربة اساليبا جديدة و ايضا اسلحة جديدة تمكنها من خوض حربا ثانية ضد حزب الله , و من النقاط السابقة نستطيع ان نستنبط حقيقة ان الحرب الاسرائيلية على غزة ما كانت الا تجربة عسكرية لما سيحدث في لبنان كما كانت تخطط اسرائيل , فمن عادة اسرائيل كما عاهدتنا انها لا تنسى طرفا كانت تعاديه و انها ان كانت تضع يدها في يدك اليوم فان يدها الاخرى تمسك لك بسكينا ستستخدمه ان عاجلا او اجلا .
الدافع الاخر لتلك الحرب له شقان , الاول هو اعادة ايران الى مسرح الاحداث باعادة نشر فكرة المشروع الايراني السوري و تمويل ايران لحزب الله و حركة حماس اللتان تعدان حركات ارهابية امام العالم الغربي , و لقد استغلت اسرائيل تلك الفكرة لتعلن انها فارس الولايات المتحدة الامريكية الوفي في منطقة الشرق الاوسط و لتضع اوباما و ادارته الجديدة امام واقعا تريد اسرائيل فرضه و هو انه لا مجال للحوار بين امريكا و بين دولة تمول و تساند الارهاب على حد قول اسرائيل . و بهذا تكون اسرائيل قد حافظت على العداء بين ايران و الولايات المتحدة الامريكية هذا العداء الذي من شأنه ان يبقى على اسرائيل كشريكة وحيدة لامريكا . اما الشق الاخر فيختص بمصر , فلطالما ارادت اسرائيل ان تصدر المشكلة الفلسطينية لمصر و رأت في حربها على غزة فرصة ذهبية تضع بها مصر في صورة الصديق الوفي المساند لدولة اسرائيل , ما من شأنه ان يضع مصر في قائمة الخاسرين سواء انتصرت اسرائيل او لم تنتصر , فستخسر مصر دورها في القيادة العربية حينما تظهر بمظهر الضعيف امام القوة الاسرائيلية و ستخسر اي توافقا بينها و بين الفصائل الفلسطينية التي تعد خط الدفاع الاول لمصر على حدودها مع اسرائيل و ستخسر ايضا الصورة التي رسمت لمصر على مر التاريخ من انها الدولة الكبرى المحركة لكل العرب , و حينما يتحقق هذا لاسرائيل و تقع مصر وحيدة دون مساندة من احد يمكن وقتها لاسرائيل ان تبدأ في مناوشة مصر و ربما جرها الى ماهو ابعد من هذا بكثير .
و من هذا كله نستخلص ان اسرائيل قد خططت و بعناية فائقة لحربها على غزة , و ان اسبابها و دوافعها ابعد و اعمق بكثير من مجرد اضعافا لقوة حماس , بل كانت اسرائيل تحسب كل خطوة بالورقة و القلم حتى في اختيارها لوقت الحرب قبيل الانتخابات الاسرائيلية للسبب الذي ذكرته سابقا و خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها الادارة الامريكية من بوش لاوباما الذي يبدو ان اسرائيل لا تعرف نواياه تجاهها حتى الان , فقررت ان تخوض حربها في تلك الفترة الجمهورية التي ستضمن من خلالها التأييد المعتاد من جانب بوش , تلك الفترة التي وصفها المفكر السياسي الكبير محمد حسنين هيكل انها فترة فراغ في الادارة الامريكية , و استطاعت اسرائيل ان تملأها بحربها على غزة . و نرى ذلك جليا في توقيت وقف اطلاق النار و توقيع اتفاقية " رايس - ليفني " التي تنص على منع تهريب الاسلحة الى قطاع غزة , فلقد اختارت اسرائيل هذا التوقيت لتضع ادارة اوباما امام اتفاقية موقعة قبيل ايام من استلامه منصبه مما يضعه امام واقعا تفرضه اسرائيل للمرة الثانية . 
كما ذكرت سابقا ان اسرائيل كانت قد اعدت لتلك الحرب اعدادا كبيرا , و لكن يبدو انها اغفلت او لم تتوقع ان تكون غزة لقمة صعبة المضغ و لم تتوقع ابدا ان تصمد المقاومة بفضل شعبها الصامد بطبيعته امام القوة العسكرية الاسرائيلية الهائلة , فلم تنجح طائراتهم الامريكية و لا قذائفهم التي كلفتهم ملايين الدولارات و لا حتى فوسفورهم الابيض في ان ينتزع روح الصمود و الكفاح من الفلسطينيين , بل زادتهم قوة و ايمانا على ايمان , فكانت هزيمة اسرائيل .
هزيمة حتى و ان صورتها الاتهم الاعلامية التي صورت جنودهم و هم يرقصون على انها نصرا و حتى ان قال اولمرت انهم قد حققوا اهدافهم الغير معلنة منذ البداية , فلم تحقق اسرائيل شيء فحتي بعد وقف اطلاق النار بساعات قليلة انطلقت صواريخ المقاومة مما يعني ان الهدف الوحيد المعلن من اسباب الحرب لم يتحقق . بل تخطت هزيمة اسرائيل الهزيمة العسكرية لتمنى بهزيمة سياسية و شعبية على مستوى العالم , فلم تحظى اسرائيل الا بكراهية شعوب العالم حتى الشعب الذي ظل يدافع عنهم خرجت من بينه و من العاصمة واشنطن اصواتا عالية تندد بالحرب و تعلن رفضها مشروع الكونجرس باعادة تذخير اسرائيل , و طال هذا الغضب الحكومات نفسها التي بدأت في اعادة النظر في علاقتها مع اسرائيل , و ان كانت التحركات الفنزويلية و البوليفية لا تعني شيئا لاسرائيل فان قرار الاتحاد الاوربي بتجميد مشروع تطوير العلاقات الاوربية الاسرائيلية يعد هزيمة قاسية حتى و لو بشكل مؤقت , فاسرائيل لم تعد ذلك الفتى المدلل لدي العالم . فكانت اول الخاسرين و لم تكن خسارتها بسبب نتائج الحرب فقط بل كانت خسارتها الاكبر انها لم تحقق ايا من اهدافها , فلم تضعف من قوة حماس بل زادتها قوة و شعبية و شرعية ايضا , و اغلب الظن ان نتائج الانتخابات ستأتي عكس ما يتمناه كاديما , و لم تستطع اسرائيل ان تزج بايران او حزب الله في الصورة فلقد تعامل الطرفان مع الحرب بذكاء , و في النهاية لم تستطع ان تضع مصر بصورة دائمة في الوضع التي كانت تريده لها و ان كانت قد حققت بعض النجاح في تلك النقطة في البداية فقط , فخسرت اسرائيل كل شيء و زاد احتقار شعوب العالم لها .
و للحديث بقية .....................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غزة ما بعد الحرب (2)
21 يناير 2009
في الحلقة الاولى من هذا التحقيق كنا قد ناقشنا الدور الاسرائيلي - اسبابا و نتائج - في الحرب على غزة و اليوم نستكمل ما قد بدأناه بالحديث عن باقي اضلاع المأساة الفلسطينية , و سنبدأ حديثنا هذه المرة عن حماس و الفصائل الفلسطينية الاخرى و دورها في تلك المرحلة , و اود ان اشير ان ما جاء في الحلقة السابقة و ما سيأتي ذكره اليوم ماهو الا تحليل شخضي للوقائع و قد يحتمل الصواب او يجانبه التوفيق و في كلا الحالتين ارجو ان اوفق في شرح وجهة نظري .
حماس الضلع الثاني في الحرب على غزة , لم تكن حماس تعلم على ما اظن انها تقوم بالدور الذي تريده لها اسرائيل في بداية الامر , فلقد تحقق حلم اسرائيل عندما قام الحماسيين بطرد الفتحاويين من غزة بل كانوا يرقصون فرحا كلما قرأوا او سمعوا عن اشتباك مسلح بين الاخوة الفلسطينيين , فتلك الفرقة بين السلطة من جهة و بين فصائل المقاومة من جهة اخرى لا تعني سوى ان مشروع فصل الدولتين و اقامة دولة فلسطينية صار في حكم المستبعد او المؤجل على اقل تقدير . فمنذ اللحظة الاولى التي طردت فيها فتح من مكاتبها في غزة و اعلنت حكومة حماس المقالة سيطرتها الكاملة على القطاع حتى اعلنت اسرائيل انها لن تجلس على مائدة حوار بشأن مشروع حل الدولتين مع حماس و التي تعتبرها حركة ارهابية تفتقد الشرعية خاصة بعد اقالتها من قبل السلطه , بالاضافة الى انه لا يمكن بطبيعة الحال ان تعقد جلسات و اتفاقيات مع سلطتين فلسطينيتين , كما ان المجتمع الدولي سيستنكر هذا واقفا في صف اسرائيل التي تحدثت بلسان المنطق في تلك النقطة تحديدا . 
و كان هذا جل ما تتمناه اسرائيل و اعطته لها حماس على طبق من فضة , فمنذ تولي حماس لمقاليد السلطة بشكل مطلق على القطاع حتى بدأت تتصرف كما يحلو لها سواء على صعيد حدودها مع اسرائيل او على صعيد حدودها المتاخمة لسيناء المصرية , و بدأت التهدئة و انتهت و اخذت تلوح حماس و من وراءها الفصائل بان قوتها اخذة في الازدياد و التطور و برهنت على هذا باطلاقها بضعة صواريخ في اتجاه قرى و مستطونات جنوب اسرائيل معلنة بهذا انها لا تأبه لتلك التهدئة الكسيحه و بالتالي لا تأبه لقوة اسرائيل العسكرية حتى وصلت حماس الى حد من الغرور على حسب تعبيري الشخصي جعلها تشكك في قدرة اسرائيل على القيام بأي تحرك عسكري نحو القطاع .
ولا ادري ان كانت حماس تعي ما قد قالته في تلك اللحظة ام لا , فرغم ان اسرائيل قد تواجه صعوبة حقيقية في تحقيق اي توغل بري في القطاع الا ان قوتها العسكرية الغاشمة لن تجد اي مشقة اذا ارادت مسح غزة من على خريطة العالم , و بدا قادة حماس و الفصائل - المتواجدة اغلبيتهم العظمى في دمشق و بيروت - و كأنهم يقامرون على دماء شعب غزة , و ربما ظنوا انهم على حق سواء من ناحية ان اسرائيل لن تقدر على اتخاذ اي قرار عسكري تجاهها او من ناحية ان الفصائل تستطيع المواجهة حقا . و لكن حدث ما حدث و قامت اسرائيل بالفعل بما كانت تخطط له منذ البداية و بدأت عدوانها على قطاع غزة بصورة لم تكن تتوقعها حماس .
كان رد الفعل لدى حماس و الفصائل في بداية الامر رد فعل طبيعي و مطلوب و هو ان تقوم بالدفاع عن اراضيها باطلاقها كم اكبر من الصواريخ لتعلن قدرتها على التصدي للألة العسكرية الاسرائيلية و من جهة اخرى تقوم بمطالبة العالم بالتدخل الفوري لوقف العدوان على غزة , و استطاعت خلال فترة العدوان ان تستميل قلوب شعوب العالم ليس فقط تجاه الشعب الذي يدفع ثمن اطماع اعدائه و تهور حكامه بل اكتسبت تعاطف العالم تجاهها هي و هذا ما ارادته حماس بلا شك , فمن رأيي الشخصي ان حماس قد ارادت هي الاخرى استغلال الحرب لصالحها و قامت بما تقوم به اسرائيل من استغلال لصور ضحايا غزة للحصول على ما تريد و هو ما اظنه مشروعا في الحروب السياسية الاعلامية . و مع الاسبوع الثاني للحرب و بدايات التوغل البري الاسرائيلي بدأت نبرة بعض قيادات الفصائل في التحول الى نبرة المستغيث اكثر منها نبرة المتحدي و لوحظ هذا خاصة في كلمات المتحدثين باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , و لكن ظلت النبرة الرئيسية لباقي الفصائل متفائلة على الصعيد العسكري و متحدية على الصعيد السياسي خاصة عندما بدأت المبادرة المصرية المدعومة بتحركات تركية و فرنسية في الظهور .
كان لتلك المبادرة التي حللها البعض على انها تصب في مصلحة اسرائيل اثرا بالغا على ازدياد اسلوب التحدي عند قادة حماس , فعندما تقف دولا كبرى منادية بمبادرة تعطي اسرائيل فوزا سياسيا فما من هذا الا معنى واحد هو نجاح المقاومة على الصعيد العسكري و ان كنت اظن ان هذا النجاح لم يكن نجاحا للمقاومة ذاتها على قدر ماهو قوة و صمودا من شعب غزة ,  استمرت الحرب و استمر الصمود و لن نتطرق في الحديث الى المعترك العسكري و كيفية الكر و الفر بين المقاومة و جيش الاحتلال , بل سنكمل من حيث انتهت المعارك العسكريه و بقيت حروب الكلام و السياسة .
استطاعت حماس الى حد بعيد ان تحصل على ما كانت تريد , التعاطف و الشرعية فكما كانت خسارة اسرائيل كبيرة حينما اعطاها الرأي العالم العالمي ظهره كان مكسب حماس ايضا كبير لانه هذا الاتجاه صب في مصلحتها , استطاعت حماس ان تحافظ على بقائها كممثل رئيسي لشعب غزة مؤقتا و ربما للشعب الفلسطيني فيما بعد , و ان كان هذا في حكم المستبعد فلا تزال فتح صاحبة القيادة في الضفه و مازالت امام العالم هي الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني و ان كانت في حقيقة الامر لم تعد مؤهلة لذلك الدور . و لكن هل يعني هذا ان حماس صارت مؤهلة لان تقوم بهذا الدور ؟
للاجابة على هذا السؤال علينا ان نتعمق قليلا في السجل السياسي لحركة حماس و الفصائل التي تنجر وراءها , و حين نقرأ قراءة سريعة لهذا السجل سنجد ان حماس لم تكن تتمتع بتلك القدرات السياسية التي تؤهلها لتولي القيادة و لا يعني بقاءها في غزة انها ناجحة من الناحية السياسية , و السبب الرئيسي لهذا هو ان حماس لم تأخذ فرصتها الجدية لتختبر قدراتها على الساحة السياسية , فبين الحصار الاسرائيلي و بين الشقاق الفلسطيني و التضييق المصري الواضح و الوعود الايرانية السورية الكاذبه فقدت حماس اي قدرة سياسية لها في فترة ما قبل الحرب . و لكن كما هو دوام الحال من المحال و بما ان التبديل و التغير من سنن الحياة , استطاعت الاطراف ذاتها التي اعاقت مسيرة حماس السياسية في بادء الامر , ان تعطيها الفرصة لتتعلم لعبة السياسة خلال الحرب , و سيتضح هذا جليا عندما تتخلى حماس عن خطابها العسكري قليلا لتتجه نحو خطاب سياسي بحت خالي من الصواريخ المادية مليئا بصواريخ الكلام و قذائفه , لانه ان استمرت حماس في الحديث عن القوة ستجد نفسها شبيهة باسرائيل تخاطر بكل شيء حتى دماء ابنائها من اجل تحقيق هدف لا يدفعه سوى الغرور و غطرسة القوة . و لكن اظن ان الحال بعد الحرب و بعد الدمار الذي خلفته الالة العسكرية الاسرائيلية و الاتجاه الى اعادة اعمار غزة بالاضافة الي تغيير الادارة الامريكية سيعطي حماس فرصة للتخلي عن حوار القوة الخشنة و استعمال قوتها الناعمة لتثبت لمن شكك في قدراتها من قبل انها قادرة على تحقيق مبدأ الند بالند سياسيا قبل عسكريا مع العدو الاسرائيلي .
استفادت حماس و بلا شك من تلك المجزرة , و لكنها تقف امام تحد جديد اكثر قسوة من تحدي الصواريخ و القذائف , التحدي السياسي . و قد بدا هذا التحدي من نقطتين .
الاولى و هي توقيع اتفاقية " رايس - ليفني " لمنع تهريب الاسلحة و التي وضعت حماس في مأزق مع الادارة الامريكية الجديدة التي لا نعلم موقفها حتى الان من تلك الاتفاقية , و الثانية حينما اعلنت اسرائيل وقفا لاطلاق النار من جانب واحد على حد قولها لتضع حماس و الفصائل اما معترك سياسي .
فحماس الان ليس امامها خيار سوى الدخول الى الاجواء السياسية البحتة , بدءا من تثبيت وقف اطلاق النار و قضية المعابر و الحد من تهريب السلاح و نهاية بخطط اعمار غزة التي قد تكون خطة ملغومة الغرض منها نسيان القضية الفلسطينية الاصلية .
و لاستكمال حديثنا عن حماس علينا دراسة الموقف العربي الذي رغم سلبيته كان له اعظم تأثير على المعركة باكلمها سياسيا و عسكريا , و سنخوض في تحليل ذلك الموقف في المقال القادم .
و للحديث بقية ...............

Facebook Badge