الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

عنصريتنا و عنصريتهم

ليست العنصرية بالمصطلح المستحدث و لم تنضم الى مجموعة كلمات المعاجم العربية حديثا بل هي احد اقدم ما يمكن ان يسمى بالانشطة المعادية للانسانية , بل يمكننا القول بانها اهم المسببات للعديد من المذابح و الجرائم التي ارتكبت ضد البشرية على مر الجانب المظلم من تاريخ الانسان . فمنذ ان ولد الانسان الاول على ظهر هذا الكوكب و بعد ان جعلنا الله شعوبا و قبائل تختلف فيما بينها من حيث الاصل و اللون و المعتقدات , كانت لتلك الشعوب و القبائل التي فرقها الله لتتعارف رأي اخر مغاير لحكمة الاختلاف الالاهية , فذهبت الى التفاخر و الاعتزاز الذي تحول مع مرور الوقت الى تناحر و اجتزاز لرقاب من يختلفون عنهم او من يعتقدون انهم رخاص لا يستحقون الحياة لمجرد اختلاف لون البشرة او العقيدة او العرق .

و كان للعنصرية دورا كبيرا في التحكم بل و تغيير مجريات التاريخ البشري في عدة عصور و ازمنة و على عدة اوجه , فكانت محركا لثورات و محفزا لانقلابات و مسيلا لدماء الملايين على مر التاريخ .

قام العالم في البداية على اساس الاسرة الواحدة و التي تحولت مع مرور الوقت الى مبدأ ابناء العمومة ليتتطور هذا المبدأ و يصل الى المبدأ القبلي ثم الحضاري ثم الديني و ينتهي الى المبادىء المدنية التي يقوم عليها العالم المتحضر اليوم , و مع كل مرحلة مما سبق اخذت العنصريه صورة ملائمة لكل مرحلة على حدى , فكانت في اول التاريخ تأخذ شكل الحقد بين الاخوة و عندما انقسم العالم بعد نوح و طوفانه الى اخوة و ابناء و ابناء عمومة ثم قبائل تطورت العنصرية لتكون اولى صورها الحقيقية التي نعرفها حتى يومنا هذا .و قبل ظهور الديانات و نزول الرسائل السماوية على بني ادم كانت المجتمعات تختلف فيما بينها على الاساس العرقي و القبلي من الدرجة الاولى , فوقتها كانت الحضارة هي اللغة الرئيسة التي يتحدث بها العالم القديم , و الحضارة بكل عناصرها الدينية و الثقافية و الاجتماعية كانت في احيان كثيرة مقوما و محفزا جيدا لقيام العديد من الانشطة العنصرية على مر التاريخ القديم , و ان كانت تلك الانشطة تتخفى وراء ستار التوسعية و الرغبة في فرض السيطرة في البداية الا انها دائما ما كانت تنتهي الى اضطهاد اصحاب الارض الاصليين من قبل المستعمرين استنادا الى مبدأ عرفه الانسان منذ بداية تاريخه و هو مبدأ السيد و العبد , فالسيد هو الاعلى و الاسمى و العبد هو الادنى و الاحقر و على الاخير ان يكون خادما مطيعا لسيده و الا طارت رقبته او ذاق من العذاب الوانا .

لم يكن حال العالم افضل عندما عرف الانسان الدين بل استغل البشر اسم الله و دياناته في تحريك ابشع المذابح و الجرائم التي عرفتها البشرية , كحروب بني اسرائيل و مذابحهم التي ارتكبوها ضد الكنعانين في ارض كنعان " فلسطين المحتلة حاليا " , و جرائمهم ضد المسيحيين الاوائل بعد ظهور عيسى المسيح عليه السلام . و المذابح المتبادلة بين الوثنيين و المسيحيين في اليونان القديمة , حتى ان المسيحين انفسهم قادوا ابشع الجرائم ضد بعضهم البعض عندما انقسم العالم المسيحي الى فرقتين كل منها تؤكد انها الاحق و الاصح و الاخرى على باطل , فلا ننسى المذابح التي ارتكبت في حق الاقباط من اخوانهم ابناء الدين الواحد , و حتى عند ظهور اخر الديانات السماوية الاسلام لم تتوقف الجرائم العنصرية التي ارتكبت بسم الله و الدين , بداية من الاضطهاد المتبادل بين الشيعة و السنة و القائم حتى يومنا هذا مرورا بما قام به الحاكم بأمر الله من جرائم عنصرية ضد كل ماهو مخالف له و نهاية بما يسمى تنظيم القاعدة و الذي يتخفى وراء ستار ديني , و لا ننسى بالطبع الحملات الصليبية التي و ان كان من اهم مقوماتها الطمع و الجشع الا انه لا يمكن انكار ان اهم محركاتها هو العنصرية الدينية .

لم يسلم التاريخ الحديث من الانشطة العنصرية بل يمكن القول ان العنصرية وجدت بداية من القرن السابع عشر و حتى العشرون بيئة شديدة الخصوبة , فاستمر اضطهاد و عنصرية ابناء الدين الواحد من المسيحيين في اوربا خاصة عند ظهور الفرقة البروتستانتيه التي ذاق اتباعها امر الوان العذاب بأوامر مباشرة من الفاتيكان الكاثوليكي . و في بقعة اخرى من بقاع العالم حيث الامريكتين و تحديدا في الولايات المتحدة الامريكية و التي قامت في بدايتها المبكرة على دماء سكانها الاصليين من الهنود الحمر في احد ابشع عمليات الابادة الجماعية في التاريخ على يد المهاجرون الجدد , و رغم عزم الامريكين الاوائل او الاباء كما يطلق عليهم على ان تكون الولايات المتحدة ارض الحريات و المساواة كما ذكروا في وثيقة الاستقلال الا انه و حتى زمن ليس بالبعيد ظلت الولايات المتحدة الامريكية صورة متجسدة للعنصرية بابشع صورها , خاصة فيما كان يناله الامريكيين اصحاب الاصل الافريقي من الوان العذاب و الاضطهاد . قبل هذا الوقت بقليل و تحديدا فيما يعرف حاليا بالعالم العربي و ابان عصر الامبراطورية العثمانية التي خدعت من حولها باسم الاسلام و الخلافة و رفعت راية الفتح التي كان وجهها الاخر يحمل صورة المحتل المغتصب , لم يسلم مواطن الدول المحتلة انذاك من الاضطهاد و العنصرية و التعذيب و القتل .

في بدايات العقد الثالت من القرن العشرين و حينما بزغ نجم الزعيم النازي ادولف هتلر في سماء المانيا كان العالم على موعد مع واحدة من اكبر الحروب التي عرفها التاريخ , الحرب العالمية الثانية . و كان هتلر من ابرز من كتبوا عن العنصرية بل قام في كتابه كفاحي بتقسيم العالم و شعوبه الى عدة عناصر من الاعلى للادني و كان بالطبع لشعبه الاري الالماني اعلى الطبقات في هرم العناصر الذي قام بتصميمه , و كان يخطط لان يكون عنصره هو الاعلى و الاسمى فعلا على ارض الواقع فقام في بداية حكمه بتنقية عنصره من كل الشوائب و ارتكب اولى جرائمه بقتل من اسماهم بالشوائب من المعاقين جسديا و عقليا و المثليين و بالطبع من كان يخالفه في الفكر . بعدها بدأ هتلر في شن حملاته لابادة و تصفية باقي العناصر الدونية على حد تعبيره و كان على رأسهم بالطبع يهود العالم , فقام بتعقبهم و اسرهم و تشغيلهم في اعمال السخرة ثم تعذيبهم و قتلهم خنقا او رميا بالرصاص في واحدة من ابشع جرائم الابادة في التاريخ و التي عرفها العالم فيما بعد بالهولوكوست .

قد لا تكفي عشرات بل مئات الكتب و الابحاث لذكر كل الوقائع التاريخية المتعلقة بالعنصرية و لذلك نكتفى بما ذكر في بداية المقال كمقدمة لموضوع المقال الرئيسي و هو عن عنصرية الحاضر , او كما اطلق عليها العنصرية الناعمة و التي لا تأخد اي صورة من صور العنف الا قليل , حتى انها في بعض الاحيان قد تكون عنصرية بالقانون و القول . فلنبدأ في مناقشة هذا النوع من خلال عقد مقارنة بين عنصرية ما نطلق عليهم انهم عنصريون و بين عنصريتنا نحن من نطلق على انفسنا ضحايا العنصرية .

في الاونة الاخيرة جاءت نتيجة الاستفتاء الذي اجرته الحكومة السويسرية حول حظر بنا مآذن المساجد ليحيي ذكرى قرار الحكومة الفرنسية بحظر ارتداء الشعارات الدينية و من بينها الحجاب , و ايضا ليعطي الفرصه لاصحاب الحناجر الجهورية للعودة الى منابرهم و لعبتهم المفضلة التي دائما ما تشير الى وجود مؤامرة مكتملة الجوانب ضد الاسلام , و ارتفعت معها اصوات من يعلم و من لا يعلم ممن يظنون انهم حماة هذا الدين , منادين بضرورة اتخاذ موقف ضد العنصرية التي يعانيها مسلمي الغرب . فما ان صدرت نتيجة الاستفتاء – الذي لا يعرف حيثياته سوى القليل – حتى قامت الدنيا فأخذ الساسة على اعتاقهم مهمة الشجب و الاستنكار و اخذ العامة مهمة الدعاء على السويسريين اعداء الله و الاسلام على حد قولهم . و انهالت علينا المقالات و التقارير من كل وسائل الاعلام تحدثنا تارة عن عنصرية الغرب ضد الاسلام و تارة اخرى عن مؤامرات تحاك ضد الاسلام و المسلمين , و كأن المسلمون يحتاجون اصلا الى مؤامرة لاضعاف شوكتهم التي انكسرت فعليا على حد قول البعض . و لكن ما يعنينا هنا ليست ردود الافعال في حد ذاتها بل يعنينا في المقام الاول من هم وراء تلك الردود , و يعنينا من الناحية الاخرى عقد مقارنة بسيطة بين ما نسميه عنصرية الغرب و بين سماحتنا .

حسبنا الغرب عنصريا عندما قررت فرنسا منع ارتداء اي شعار ديني و اوهمنا البعض ان للقرار بعدا يمثل خيطا من المؤامرة على الاسلام , رغم ان القرار لم يخص الحجاب و ماشابه بل حظر ارتداء اي شعار يدل على دين سواء كان صليبا كبيرا او قبعة يهودية او حجاب و كانت وجهة نظر صانعي القرار هي ترسيخ القواعد العلمانية التي تشتهر بها فرنسا . و لكن تلك الحقيقة لم تصل الينا كاملة بل ذكر فقط ما يخص الحجاب في محاولة لاقناعنا بتلك المؤامرة ضد الاسلام , و كأن الاسلام تمثل في غطاء للرأس و كأن الهوية الاسلامية ماهي الا مظاهر خارجية لا تحمل عمقا و لا معنى . بعدها جاءت جريمة قتل مروة الشربيني او ما اطلق عليها شهيدة الحجاب في المانيا , و ان كانت شهادتها بين يدي الله و لكن اقحام كلمة الحجاب في الامر و وصفها بشهيدة الحجاب هو ما صبغ الحادثة بجريمة عنصرية موجهة تحديدا ضد الاسلام , و للمرة الثانية غيبت الحقيقة الكاملة عنا , فلم يذكر ان للقاتل سوابق عنصرية ضد كل ما هو اجنبي و انه قد اخبر احد اصدقائه انه طالما تمنى تصفية المانيا من كل شوائبها , فلم يكن القاتل سوى مهووسا بهتلر و افكاره لم يكن سوى فردا اختل عقله باحلام عنصرية ضد كل ما يختلف عنه , و ان كانت الجريمة نفسها حدثت ضد امرأة سوداء او يهودية لما ذكر الخبر اساسا و لكن لانها مصرية و مسلمة صورت لنا الحادثة على انها جريمة ضد الاسلام نفسه في حين اننا نقرأ العشرات من اخبار القتل يوميا في صحفنا العربية كنوعا من التسلية الصباحية . و في الاخير جاءت نتيجة ذلك الاستفتاء لتحمل فرصة اكثر سهولة لهؤلاء و للمرة الثالثة ذكر الخبر دون التفاصيل التي لم يرد لنا ان نعرفها فقيل لنا ان الخبر لمنع بناء المأذن و لم يذكر انه لن يمس مآذن المساجد التي قد بنيت بالفعل و عددها 400 و قيل لنا في البداية انه قرارا للحكومة و بعدها تم تصحيح الخبر الى ان القرار بناء على استفتاء شعبي , استفتاءا صحيحا ليس كاستفتاءات بلادنا العربية , و لم يذكر الخبر ان لسويسرا قوانينا خاصة تحكم ارتفاعات الابنية فيها و لم يذكر ايضا ان سبب الاستفتاء اساسا كان احد المسلمين اراد ان يبني مأذنة لمسجد ينشأة لتكون اعلى بناء في سويسرا خارقا بذلك كل القوانين التي وضعتها تلك الدولة المسيحية التي يخرج من ابناءها رجال الحرس السويسري حراس بابا الفاتيكان نفسه . و تفجر تلك المعلومة سؤالا عن ما كان من الممكن ان يحدث ان اراد شخصا مسيحيا في دولة عربية او اسلامية ان ينشىء كنيسة و يرفع برجها ليكون اعلى بناء في تلك الدولة ؟ كيف ستكون ردود الفعل وقتها ؟؟

كل ما سبق تم وصفه تحديدا بعنصرية و تمييز ضد المسلمين في الغرب حتى سقوط فاروق حسني في انتخابات اليونسكو وصف على انه مؤامرة عنصرية ضد المسلمين و العرب , دائما هم العنصريون و دائما نحن المتسامحون الضحايا و لم نكن ابدا عنصريون عندما سنت قوانين في العديد من البلاد العربية تحد من بناء الكنائس و لم نكن عنصريون في ازمة البهائيين في مصر و لم نكن عنصريون عندما نادت بعض الاصوات في احد مؤتمرات دول العالم الاسلامي انه علينا تطهير الشرق الاوسط من كل ماهو غير مسلم و لم نكن عنصريون عندما قمنا بترشيح فاروق حسني لمنصب رئاسة منظمة اليونسكو لمجرد انه مرشح عربي و مسلم مع قناعتنا الكاملة انه لا يصلح لمثل تلك المهمة بل اتهمناهم هم بالعنصرية عندما اختاروا عن قناعة تامة مرشحة هي الاجدر و الاحق بالفوز , لسنا عنصريون عندما اضطهدت الشيعة السنة و نادت السنة بقتل الشيعة , و حتى على المستوى الشعبي لا نصف انفسنا بالعنصرية عندما يفضل المسلم ان يتعامل مع المسلم و للمسيحي ان يتعامل مع المسيحي دون النظر لاي اعتبارات سوى انهم ابناء دين واحد , حتى عندما يسخر ابنا صعيد مصر من فلاحيها و يسخر ابناء الدلتا من الصعيد لا نصف انفسنا بالعنصرية . كل هذا و اكثر نسمية تسامحا و ما يفعله الاخر نسمية عنصرية , و اعتقد اننا لا نملك سوى حلا من اثنين اما ان نعترف بعنصريتنا او ان نشكر الغرب على تسامحه و ديموقراطيته .

ليست هناك تعليقات:

Facebook Badge