الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

سنه اولى انتخابات

قررت الا انام تلك الليلة .. حينما تأكدت من ان اللجان الانتخابية ستفتح ابوابها في الثامنة صباحا, و بما اني كائن ليلي سيصعب علي الاستيقاظ في وقت مبكر للذهاب الى اللجنة و الادلاء بصوتي في اول انتخابات برلمانية تشهدها مصر بعد ثورة الخامس و العشرون من يناير, و سواء اتفقنا او اختلفنا على اهمية تلك الانتخابات و جدواها من عدمه لا نستطيع ان نختلف على اهمية تلك اللحظة التي اردت ان اكون جزءا منها .. و لي اسباب.

 بعد ان تأكدت للمرة الاخيرة من بياناتي الانتخابية توجهت في السابعة صباحا الى لجنتي بمدرسة احمد ماهر التجريبية بحدائق القبة, كنت امني نفسي بدخول اللجنة بين اوائل الحاضرين و الانتهاء من الادلاء بصوتي في دقائق معدودة من اجل العودة الى منزلي و احتضان سريري الذي افتقدته على مدى تلك الساعات السابقة. ما ان اقتربت من اللجنة حوالي السابعة و النصف صباحا حتى هالني مشهد الطابور الطويل من الناخبين الذى كان يمتد مبدئيا على مسافة تقارب الخمسون مترا, توجهت الى نهاية الطابور لاتخذ مكاني بين الحاضرين, كنت اتوقع اقبالا على صناديق الاقتراع رغم دعاوي المقاطعة التي انطلقت قبيل الانتخابات ببضعة ايام, و لكني لم اكن اتوقع ابدا ان يصل طول الطابور الذي وقفت فيه الي ما يتخطى حاجز المائتي متر قبل حتى ان يأتي الموعد الرسمي لفتح لجان الاقتراع.

 جاء الموعد و لم تُفتح اللجان, فتوجهت الى جنود القوات المسلحة المعنيين بحراسة المدخل الرئيسي للجنة و تساءلت عن سبب هذا التأخير, فجاءتني الاجابة باننا لا زلنا في انتظار الموظفين المسؤولين عن العملية الانتخابية و في انتظار وصول بطاقات الاقتراع و كشوف الناخبين. عدت الى حيث كنت و قد بدأ القلق يتسرب الي و بدا لي سريري و كأنه سراب يعلو الافق. قررت وقتها ان اندمج مع الجمع الغفير الواقف امام اللجنة حتى يمر الوقت . و ساسرد عليكم في نقاط سريعة ما لاحظته من خلال محاوراتي و مناقشاتي معهم :

 1- وقف امامي اربعة شباب اثنان منهما قالا ان صوتهما سيذهب للكتلة المصرية بينما الاخران كان يميلان للحرية و العدالة .. كان حديث الاربعة شيقا و مثيرا و لكنه كان يخلو من اي مشادات او محاولات المقارنة بين تلك الكتل و الاحزاب, و لاحظت انهم على وعي باسماء فلول الحزب الوطني من المستقلين و الاحزاب و اخذوا يحذروا الاخرين من تلك الاسماء كلما سنحت الفرصة.

2- اتسمت نقاشات العامة من الناس بحالة من الرقي في الحوار و لم يشهد الطابور اي حالة من حالات العراك اللفظي او حتى النقاشات الحادة رغم اختلاف الاختيارات بين الاحزاب و رغم اختلاف طبيعة الناخبين في السن و المستوى الاجتماعي و الثقافي.

 3- اتضح لي من خلال تلك المناقشات ان المنافسة الرئيسية ستكون بين قائمة الحرية و العدالة الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمون و بين قائمة تحالف الكتلة المصرية الممثل للتيار الليبرالي و الوسطي.

 4- تنوعت اسباب الاختيار بين الناخبين فمنهم من اختار لسبب عنصري (ديني) من المسلمين و المسيحيين على حد سواء و منهم من حدد اختياره طبقا لمقاييس خاصة: كمن يتجه للحرية و العدالة لانهم الاكثر تنظيما او لانهم كانوا مثال المعارض للنظام السابق و منهم من قرر اعطاء صوته للكتلة بناء على برنامجهم التقدمي او لمعرفته بطبيعة اعضاء قائمة الترشيح .. و لاحظت ان اسباب الاختيار لم تكن قائمة فقط على الانتماء الديني.

 5- لم يتحدث احد مطلقا عن فكرة مقاطعة الانتخابات, حتى انني ظننت باديء الامر انه لم تصلهم اصلا تلك الدعاوي التي اُطلقت في الاونة الاخيرة.

 6- اردت ان اتبين فكرة ان النتيجة الرئيسية للاقبال على صناديق الاقتراع تكمن في خوف المصريين من الغرامة المقررة في حال عدم الانتخاب, فألقيت تلك الاطروحة باسلوبي امام الناس و انتظرت اتبين النتائج: لاحظت ان نسبة ليست بالكبيرة لا تعرف اصلا ان هناك غرامة مقررة لتلك الحالة, بينما يتراوح الاخرون بين من اتى فعليا من اجل الاختيار و من اجل حقه في تقرير مصيره و بين من اتى فعلا خوفا من تلك الغرامة الكبيرة نسبيا, و ان كانت تلك الفئة الاخيرة تقل نسبيا عن الاولى.

 7- من الثامنة عشر و حتى التسعون .. اصحاء و مرضى .. مقعدين و معاقين .. اصحاب ذقون و شباب عاديون .. اظن انه لم تكن هناك فئة ما من المجتمع المصري غائبة عن هذا المشهد.

 8- اكتشفت ان اغلب الواقفين امام اللجنة كانوا مقررين مسبقا الى اي الاحزاب او المرشحين سيذهب صوتهم, و قد لاحظت من خلال متابعتي لردود افعال الناس حيال الدعاية الانتخابية التي استمرت طوال اليوم, ان رد الفعل الرئيسي هو التجاهل العام, بل لقد كان الناخب يتسلم مطبوعة الدعاية الانتخابية بيد ليلقيها باليد الاخرى على كومة من المطبوعات الملقاة بجواره.

 9- قام المتطوعين من الناخبين بمساعدة جنود الجيش بتنظيم الطوابير الواقفة خارج اللجنة قبيل فتح باب اللجنة بدقائق معدودة.

 10- امتد طول طابور الناخبين امام اللجنة ليشمل ما لا يقاس بالمئات من الراغبين في الادلاء باصواتهم.

  ملاحظاتي عن سلبيات و ايجابيات التنظيم داخل و خارج اللجنة: 

1- استطاع جنود القوات المسلحة تنظيم اللجنة و تامينها خارجيا بكفاءة .. كما لاحظت قدرتهم على امتصاص غضب الجماهير المتذمرة نتيجة تأخر بطاقات الاقتراع.

 2- اكثر النقاط سلبية في العملية التنظيمية هو تأخر بطاقات الاقتراع, و هو الامر الذي حدث في كافة لجان حدائق القبة, فلقد وصلت البطاقات الي لجنتي في الحادية عشر و النصف صباحا.

3- تأخر وصول الموظفين المسؤولين عن ادارة العملية الانتخابية, فبدأ توافدهم من خلال اوتوبيسات النقل العام في التاسعة تقريبا, اي بعد ساعة كاملة من الموعد الرسمي لفتح اللجان, و علمت ان السبب وراء هذا انه على الموظفين تسليم انفسهم لقسم الشرطة اولا ليقوم بتوزيعهم على اللجان و ان كنت لست متأكدا من صحة تلك المعلومة.

 4- عن خرق قوانين منع الدعاية الانتخابية اثناء عملية التصويت فحدث ولا حرج, و كلمة اقولها و الله شهيدي: لقد اشترك اغلب المرشحين من القوائم و الفردي في خرق هذا القانون, و اليكم تفاصيل اسماء القوائم و الفردي طبقا للمطبوعات الدعائية التي لازلت احتفظ بها و التي كانت توزع على الطوابير امام اللجنة:

أ‌- قائمة الحرية و العدالة, و كان لها النصيب الاكبر من كم المطبوعات الدعائية.
 ب‌- قائمة حزب النور.
 ت‌- قائمة تحالف الكتلة المصرية, و قد مثل لي ذلك صدمة حين توقعت ان تلك القائمة التي اعطيتها صوتي لن تشارك في مهزلة خرق القوانين تلك, و لكني فوجئت بعدد من الرجال يرتدون قمصان تحمل شعار الكتلة و قاموا بتوزيع مطبوعاتهم الدعائية على الناخبين. ث‌- قائمة حزب الوفد.
ج‌- قائمة حزب الوعي, و الذي و ضع شعار ائتلاف شباب الثورة على مطبوعاته.
 ح‌- قائمة الثورة مستمرة, و تمت عملية توزيع الدعاية برعاية حزب المساواة و التنمية و الذي وضع اسمه منفردا على ظهر المطبوعة الدعائية للقائمة.
 خ‌- احمد رجب احمد محمد. فئات / مستقل.
د‌- سامح سيد احمد. فئات / مستقل.
ذ‌- احمد السيد رضوان. عمال/ مستقل.
 ر‌- امنية محمود عبد الحميد. فئات / مستقل.
 ز‌- عصام سيف. فئات / مستقل.
 س‌- د.م. محمد عبد الغني. فئات / مرشح الكتلة المصرية.
 ش‌- محمد عصام الدين عباس. فئات / مستقل.
ص‌- عادل عبد الحميد مجاهد. عمال / مستقل.
ض‌- احمد سلامه. عمال / مستقل.
ط‌- عمرو زكي / ياسر عبد الله . مرشحي حزب الحرية و العدالة لمقعدي الفردي.
 ظ‌- شريف شيخون. فئات / مرشح حزب النور لمقعد الفردي.

 5- غابت قائمة حزب الوسط عن تلك الانتهاكات القانونية.

 6- عدد كبير من المرشحين استغلوا سيارات نصف نقل تحمل كم كبير من مكبرات الصوت للترويج لهم امام لجان الاقتراع.

 7- عدد من المرشحين استأجروا اوتوبيسات و ميكروباصات لنقل المرشحين للجان الاقتراع, و قد شمل الامر بعض القوائم مثل قائمتي الحرية و العدالة و الكتلة المصرية.

8- لم تخلو جدران اللجنة و بابها من ملصقات و يفط الدعاية الانتخابية لكافة القوائم بلا استثناء و لاغلب المرشحين على مقاعد الفردي.

9- لم تكن هناك اي عمليات شراء اصوات او بلطجه شهدتها خلال وقوفي في طابور اللجنة على مدى خمس ساعات تقريبا. 10- التنظيم الداخلي كان اشبه بالكارثه نتيجة تدافع الجماهير المتذمرة من تأخر بطاقات الاقتراع و تطوع مندوبي المرشحين و بعض الجمهور لتنظيم طوابير الناخبين داخل فناء المدرسة المقام فيها اللجنة.

11- تواجد رجال الشرطة المدنية للتنظيم الداخلي و لكني لم اشهد تواجدهم داخل اللجنة الفرعية نفسها.

 12- التنظيم داخل اللجنة الفرعية نفسها من حيث ترتيب الاوراق و الصناديق و سرية الاقتراع و حضور القضاة و المندوبين كانت منظمة و مرتبة بصورة جيدة, و ان كان هناك بعض الشكاوى نتيجة تأخر الناس في اختيار مرشحيهم.

 13- لاحظت تغير نوع الحبر عن ذلك الذي استخدم اثناء الاستفتاء الماضي فقمت بسؤال القاضي المشرف على اللجنة فقال ان الاحبار جاءت من الداخلية "مدلوقة" فاضطر الى استعمال الحبر الازرق الشبيه بمساحيق البودرة, و قد لاحظت ان عملية ازالته صعبه و لكنها ليست بالمستحيلة مقارنة بالحبر الفسفوري.

14- لم تكن هناك شكاوي بخصوص عدم وجود اختام على بطاقات الاقتراع.

 ملاحظات اخيرة:

- لمن قال انه وجد بعض بطاقات الاقتراع ملقاة امام الاقسام او اللجان و ممزقة, عليك ان تشاهد الكيفية التي يتم نقل الاوراق بها و ستعلم انه من الطبيعي ان يحدث هذا, فالبطاقات تلف بواسطة افرخ الورق البنية خفيفة الوزن و التي يسهل قطعها و يحملها الموظفين على اكتفاهم للدخول الى اللجنة.

 - لقد كنت في ميدان التحرير كما تعلمون منذ الخامس و العشرون من يناير, و تواجدت فيه منذ الاحد الماضى على اثر الاحداث التي وقعت اثناء فض اعتصام مصابي الثورة يوم السبت, تواجدت يوميا حتى الجمعة الماضية لا لاحتفل في صينية الميدان و لا لاجلس على المقاهي القريبة من الميدان متابعا للاحداث من بعيد بل كنت جزءا من الاحداث نفسها مع الالاف ممن شاركوا اليوم في العملية الانتخابية .. رجاء من بعض ممن نادوا بمقاطعة الانتخابات و اكرر (بعض منهم) و اقصد هؤلاء الذين افترشوا المقاهي حاملين هواتفهم النقالة متابعين الاحداث من خلال التلفاز و التويتر او هؤلاء الذين ظلوا في بيوتهم و ينادون الان بمقاطعة الانتخابات لعدم خيانة دم الشهداء, ارجوهم ان يكفوا عن المزايدة على احد و احترام قرارات الاخرين و احب ان اذكرهم بأن بعضهم قد خان الشهداء قبلا حينما اكتفى بالمشاركات التويترية من على المقاهي بينما كان هناك من يضحى بروحه و نور عينيه من اجلهم .. لم يكن قرار مقاطعة الانتخابات قرار جماعي و لا يمكنكم فرضه على احد كما لا يمنكم اتهام هؤلاء الذين كانوا على اتم استعداد للتضحية بحياتهم بالخيانة لاتخاذهم قرار المشاركة في العملية الانتخابية .. و لا تؤكدوا تلك الصورة التي تولدت عند البعض بأن المقصود من احداث التحرير هو المطالبة بالغاء الانتخابات او تأجيلها ولا تعطوا الناس صورة ذلك الذي ايقن الهزيمة فتحجج بعدم اللعب كما حدث ابان الاستفتاء .. الميدان لنا و لكم و لكل مصري حر.


share it

ليست هناك تعليقات:

Facebook Badge