الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

قوك ولعلك شمعه


قال احد الحكماء – ايام ماكان في حكماء في الدنيا – " بدلا من ان تلعن الظلام , فلتضيء شمعة  " , و للاسف الشديد اتمحت هذه الحكمه من عقول و ذاكرة  الشعب المصري , و ده طبعا يرجع لأن شعبنا الحبيب يعيش ازهي عصور النور و التنور و الاستناره و اصبحت العلاقه الوحيده بين الظلام و الشموع هي عيد ميلاد و يالا حالا بالا  " و ماتنساش تقول امنية قبل ما تطفي الشمع يا حماده " , و لم تعد تستخدم الشموع لاي غرض اخر غير " انها تتحط في تورته " , فالحمد و الشكر لله الحكومة خصخصت شركة الكهرباء و الخدمه بقت زي الفل و عال العال , صحيح الفاتوره تضاعفت ثلاثة او اربعة اضعاف تقريبا و لكن لا داعي للذعر من هذا الارتفاع  " احنا شعب مابيهموش الفلوس .. لانه اصلا مش لاقيها " , و بالتالي ما حاجتنا للشموع ؟ فالكهرباء لم تعد تقطع خالص مالص و يمكن بالص , و حتى لو حدثت المعجزة و اتقطعت الكهرباء فلن تزيد المده عن ربع ساعه و لن نعاني فيها من الظلام ابدا  " يرجع الشكر للصين اللي امدتنا باجود انواع الكشافات من كل صنف و لون" و لكل ما سبق ذكره في السطرين اللي فاتوا لم تعد هناك حاجة او غرض للشموع و لم نعد نتذكرها الا في اعياد الميلاد او عندما يعرض فيلم الشموع السوداء.

و لكن يبدو ان تلك المعلومة قد وصلت الى اسماع حكومتنا , و لم يعلم احد حتى الان كيف تسربت تلك المعلومه و الاحتمالات و الاشاعات هنا كثيره , فعندك واحد يقول مثلا ان امن الدوله هي اول من وصلت لهذا السر الخطير و نقلته للحكومه , و في اللي يقول انها تسربت عن طريق الفيس بوك اللي بقى متراقب , او يمكن واحد من الشعب وقع بلسانه و هو قاعد مع واحد من الوزراء على القهوه في مارينا مثلا . و بغض النظر عن صحة تلك الاشاعات من عدمها ما يهمنا هو ان تلك المعلومة تسربت بشكل ما الى الحكومه , و اخذت الحكومة تفكر و تفكر في تلك المصيبة الكبرى فكيف تستطيع ان تنام في سريرها  " مرتاحة البال و متهنية " دون ان " تعكنن " على الشعب المصري , و كيف يمكن لها ان تتفادى الازمة الطاحنة التي تهدد صناعة الشمع المصري و بالتالي تهدد بورصة الشمع العالمية بالانهيار " و احنا مش حمل ازمة اقتصادية تانيه " , و بالتالي ظلت المشاورات و الجلسات و المؤامرات  - اقصد المؤتمرات -  الحكومية تفكر في ايجاد حل لتلك الازمة و تفكر في كيفية اعادة تلك الحكمة الرائعه الى عقول المصريين , و بينما كانت رؤوس الحكومة النظيفة الرشيدة تفكر دخل عليهم فجأة وزير الكهرباء – اللي قطع اجازته بمارينا – ثم صاح وجدتها وجدتها , نظر اليه السيد النظيف بفخر شديد و لسان حاله يقول " يازين ما اخترت " ثم انتظر ان يلقى اليه السيد الوزير بما وجده , اخذ الوزير الكهربائي نفسا عميقا ثم قال " احنا نقطع عليهم الكهربا " , ما ان قالها حتى انطلقت الهمهمات التي نسمعها في افلام الرسوم المتحركه او المسلسلات المدبلجه , قطعها السيد النظيف بتساؤل عن كيفيه وصول السيد الوزير الى هذا الحل العبقري , و كان رد الوزير انه ببعض التفكير و التأمل و طبعا تحت رعاية السيد الرئيس و رئيس المجلس استطاع ان يصل لهذا الحل الفريد , حينها وافق المجلس بالاجماع على  و تحولت الهمهمات الى ضحكات و قهقهات ملأت ارجاء المبنى باكمله .

في اليوم التالي و بينما كان الشعب المصري يمارس حياته الطبيعيه – محدش يروح فكره لبعيد في موضوع حياته الطبيعيه ده – اظلمت مصر فجأة , و لم تكن فترة الظلام فترة طويلة و لم تتعدى العشر دقائق " الحكومة كانت بتفرش للموضوع يعني " ثم عادت الكهرباء و هلل الاطفال هييييه و مر الامر مرور الكرام على المصريين و لم يعره احد انتباها , و في صباح اليوم التالي امتلأت الصحف القومية باخبار عن ان مصر وصلت لاعلى معدلات استهلاك الطاقة بالامس لدرجة ان السد العالى اشتكى و قال " و الله مانا لاعب " , و قال الخبر ان السبب يرجع لان الشعب المصري افترى في استهلاك الكهرباء و يرجع ذلك لزيادة عدد الاجهزة الكهربائية و خاصة التكييفات " اللي بتشفط الكهربا شفط " على حد قول السيد المسؤول ثم طلب من الجماهير ان تتوخى الحذر في استخدام الطاقه و ان تعى لترشيد الاستهلاك , و في نهاية الخبر جاء تهديد صريح و واضح بانه اذا لم يقم الشعب بترشيد استهلاك الكهرباء ستضطر الوزارة اسفه لقطع التيار الكهربائي على مناطق القاهرة و غيرها تباعا , و كالعاده ما ان قرأ الشعب هذا الخبر حتى اصبح حديث الجماهير في الاشغال و القهاوي و حتى غرف النوم و لكنهم في النعاية اعتبروه مجرد " جعجعة حكومية فاضية " او ان الحكومه بتهزر بمناسبة قرب شهر رمضان الذي لم يكن قد اتى بعد , و لكن حكومتنا جد و مابتهزرش و فعلا نفذت تهديدها و بدأ انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي على العديد من مناطق القاهرة , و بعد ما كان بيقعد عشر دقايق بالكتير بقى يقعد بالساعه و الاتنين و التلاته , و زاد الطين بلة عندما ظهرت الكشافات الصينية على حقيقتها و اخذت تنتطفىء واحدا تلو الاخر " زي ماتكون متفقه مع الحكومه" , و قتها اضطر الشعب فعليا ان يعيش في ظلمات الحكومة النظيفة الرشيدة .

هاج الشعب المصري و ماج و استعد رصيف مجلس الشعب لاستقبال الزوار الجدد و قامت وزارة العسكر بفرش الارض عساكر امن مركزي , و وقعت الحكومة في ورطه فكيف تستطيع ان تخمد تلك النار التي اشعلتها و مرة ثانية عقدت الجلسات و المشاورات , و في البداية وصلت الحكومة الى نتيجه مفادها بانهم بقنعوا الناس بالامر الواقع خاصة ان الشعب فضل البقاء في الظلام عن ان يستخدم الشموع  مما يعني ان الحكومة فشلت في ان تصل الى ما تريد , و بدأت الحكومة فعلا في محاولة اقناع الناس فخرج علينا مسؤول " لا حد يعرف اسمه ولا شغلته " و نصح الناس نصيحة ذهبية و قال بالبلدي كده " و الله انا شايف يا جماعه ان الناس عندها حل جميل جدا و هو انهم يدهنوا بيوتهم ابيض في ابيض زي بيوت الملايكه و يفتح الشبابيك و البلكونات على الدنيا و يستمتعوا بنور الشمس الطبيعي الرباني الجميل – و بالمناسبة المصنع بتاعي مستعد لتلبية كل طلبات الدهانات البيضاء الملائكية – " , و هنا رد البعض على هذا التصريح قائلين " يا سعادة البيه تلات ارباع بيوت مصر مابيدخلهاش شمس اصلا " و البعض قال " و لما الشمس تدخل بيوت كل الناس احنا هنعمل تان في مارينا ازاي " , و هنا رد مسؤول اخر " اننا معندناش اي مانع في ان الناس تشتري كل الاجهزة الكهربائية اللي نفسها فيها بس يا جماعه بلاش تكييفين و تلاته في كل بيت ما تجربوا المبرد الجديد الحلو اللي بيشتغل بالتلج ده – و على فكره شركتي استوردت منه كمية ضخمه من الصين الشقيقة – " , و طبعا الشعب ماسكتش و قال البعض من اصحاب العشش و المساكن العشوائية " يا باشا احنا اصلا بيوتنا مكيفه جاهزة من كل حته يعني مش محتاجين تكييف ولا غيره " اما ساكني المقابر فلم يفعلوا شيئا سوى الضحك و المشاورة على هذا المسؤول قائلين " العبيط اهو " .

وجدت الحكومة نفسها و قد وقعت في فشل اخر و استطاع الشعب المسكين ان يهزمها في اولى الجولات , و لكن الحكومة لم تيأس و بدأت في اشعال الحرب النفسية على الشعب خاصة بعد ان بدأ شهر رمضان , فبدأت في قطع التيار الكهربائي وقت الافطار او عندما يصل الى مسامعها من ان الشعب يتابع مسلسل تليفزيونيا بعينه في ساعة معينه يقطعون التيار وقت هذا المسلسل , و مع تلك المنواشات الظريفة الخفيفة بدأت الحكومة في توزيع منشورات تتحدث عن فوائد الشموع و عن مشاكل الكهرباء و مضارها , و بدأت تبث اغنية " خلاص مسافر "  لشاديه على كل محطات الراديو و خاصة على مقطع معينا فيها يقول " قوم ولعلك شمعه "

و لكن الشعب لم يستجب لنداء شاديه و " مولعش الشمعه " و بدأت الهمهمات الشعبية تتزايد  لتتحول الى صراخ و شكاوى و مطالبات بتعويضات , و وجدت الحكومة نفسها امام مأزق حقيقي تلك المرة , و قالت احنا اللي جيبنا لنفسينا وجع الدماغ و اهو الشعب بقى هيقعد يتكلم في تغيير و فساد و برادعي , و هنا استدعى عمدة القرية الذكية – على حد قول الساخر الكبير احمد رجب -  وزيره الكهربائي و طلب منه ان يعيد الحال لما كان عليه و الا يستمر في تنفيذ مخططه و عليه العوض بقى في بورصة الشمع , هنا وقف الوزير لحظات دون ان ينطق و بدأ بتصبب عرقا و قتها شعر العمدة بأن هناك مصيبة اخرى على وشك دق الابواب , و بعد ان طبطب على سيادة الوزير و طمأنه على كرسيه اخبره الوزير بالحقيقة المرة و هي انه " زعلان من الوزير البترولي عشان مانع عنه الغاز و ده السبب اصلا في قطع الكهربا " , و هنا استدعى دولته الوزير البترولي و سأله عن سبب منعه الغاز عن وزارة الطاقة , في البداية لم يجب سيادة الوزير و لكنه بعد " حبة طبطبه برضه " وافق الوزير على الحديث و قال " انه زعلان من السيد الزميل "  - طيب ليه و عشان ايه و يا ولاد مش كده يهديكوا يرضيكوا محدش فيهم رد – و في النهاية استطاعت قوى عليا ان تصلح بين الطرفين اخيرا و تقنعهم بايجاد حل لتلك الازمة .

و وصلت الحكومة في النهاية الى سبب ازمة الغاز التي ادت الي ازمة الطاقه و بالتالي ادت الى ازمة انقطاع الكهرباء و هو بكل بساطه ان مصر مفيهاش غاز طبيعي زياده , لان شويه رايحين على الطبيخ خصوصا اننا كل سنه و انتوا طيبين في رمضان و شوية رايحين على عربيات الغاز الطبيعي و شويتين بيتصدروا و ست سبع عشر شويات رايحه على اسرائيل , في البدايه اقترح احد الوزراء اقناع الناس بعدم الطبيخ و لكن السيد رئيس القعده قال " لا لا لا مش ناقصين وجع دماغ تاني " , و على استحياء و خجل شديد اقترح وزير اخر ان يتم تخفيض نسبة الغاز المصدر " و يمكن الدول المستورده توافق و يجعله عامر " , و فورا و دون مناقشه وافق المجلس على هذا الحل كما تمت الموافقة على حل اخر – مقترحه غير معلوم حتى الان -  و هو ان يتم اعادة استيراد الغاز المصدر الى اسرائيل , و بالفعل تمت مناقشة الامر مع المسؤولين الاسرائيلين و رحبوا بشده و لكن على شرطين الاول : هو ان يتم اعادة تصدير الغاز الى مصر بمبلغ بسيط قدره 14 مليار دولار لنفس الكمية التي تصدرها مصر لاسرائيل بمبلغ ضخم جدا قدره 2 مليار دولا " و الله يا بلاش ولاد حلال و النعمه " – و الثاني هو ان تحصل اسرائيل على هدية بسيطة و هي انتاج مصر للشمع لعامي 2009-2010  عشان عندهم عيد ميلاد و كل عام و انتم بخير

ليست هناك تعليقات:

Facebook Badge