الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

اللي بيته من ازاز



لتدق الطبول و لتتحرك القوات و لتذخر الطائرات بالصواريخ و لتتجه الدبابات و المدرعات الى الحدود و لنذهب جميعا للجهاد ضد العدو الهمجي التونسي الذي اهان كرامة المواطن المصري .... حسنا فلتهدأوا قليلا و تدخروا انفاسكم لبقية المقال , فكما يعرف الكثير منكم انني لست من دعاة الحروب و لا اؤمن بالثأر الغاشم و لست ممن يشعلون نار الفتنة بين الاخوة العرب او الاخوة المصريين مسلمين و اقباط او الاخوة الاهلاوية و الزملكاوية , لست ضد اي اخوة من اي نوع او صورة و لست من اصحاب الحناجر الجهورية التي ادت الى انتعاش سوق مسكنات الالام و الصداع . و لكنني كنت فقط اعرض عليكم صورة ملخصة من تلك التعليقات التي كتبت تعليقا على الاحداث التي وقعت اول امس باستاد القاهرة اثناء مباراة كرة القدم بين الاهلي المصري و الترجي التونسي , ولا يمكن ان نختلف باي حال من الاحوال على ان ما حدث كان همجي لا حضاري و مؤلم و انه مرفوض رفضا تاما بكل اشكاله , و لا يمكن ان يختلف هؤلاء الذين يفضلون مثلي متابعة تعليقات القراء على مواقع الانترنت اكثر من متابعة الاخبار و الاحداث ذاتها , ان تلك النبرة التي وجدناها في اغلب تلك التعليقات تعيدنا الى تلك التي كتبت تعليقا على احداث ام درمان بعد مباراة مصر و الجزائر الشهيرة , مما جعلني اعتقد باننا شعبا قد وصل الى درجة مثالية من التفكير المتطابق او ان هؤلاء الذين كتبوا تلك التعليقات منذ عدة اشهر اعادوا نشرها كما هي ( كوبي بيست ) و لم يغيروا سوى اسم العدو الهمجي البربري من الجزائر الى تونس .

و بغض النظر عن احداث ام درمان التي لم تحدث سوى في خيال من صوروها لنا , و بغض النظر عن عادتنا في تعميم الصفات على شعوب باكملها , و بغض النظر عن وصفنا للشعب التونسي بالهمجية و هو الشعب الذي يدرك اغلبنا مدى عشقه لمصر و للمصريين و هو ما لمسته بنفسي من خلال معاملتي مع بعضهم , و هو ايضا الشعب المشهور بنظامه التعليمي المتطور و بعلمانيته المبهرة و بتحضره الذي تفتقده اغلب الشعوب العربية . دعونا ننحي كل هذا جانبا و نتحدث في صلب الموضوع و هو تلك التعليقات التي تلخصت في فكرة واحدة و هي ان كرامة المصريين قد اهينت و بشكل صارخ , هكذا فجأة ادركنا ان كرامتنا اهدرت و اهينت على يد بعض المخمورين الذين لا وزن لهم حتى في بلادهم , و كأن كرامة المواطن المصري بقت شامخة و لم تهان ابدا سوى الساعة التاسعة من مساء الثالث من اكتوبر 2010 . و كأننا لا نهان و لا تهدر كرامتنا يوميا و بشكل مستمر دون حتى اللجوء الى الخروج من بيوتنا بل في بعض الاحيان يكفينا ان نشاهد التلفاز لساعة او ساعتين .

يكفيك صديقي العزيز ان تقف في طابور العيش او ان تعاني الاختناق و تقاوم الموت في مترو الانفاق او ان تحاول كأي مواطن في اي مكان في العالم ان تذهب الى مصلحة حكومية لاستخراج ورقة مختومة بختم النسر او ان يوقعك حظك العاثر و  تقحم في خضم مظاهرة لا تعرف سببها , و اعدك انك ستشعر بمدى الاهانة و اهدار الكرامة التي يعانيها المصري . و مع الاسف الشديد لم تعد تلك الاهانات توجه فقط من خلال نظام مستبد او حكومة فاشلة , بل لقد صرنا نحن المصريين نتلذذ بتوجيه الاهانات لبعضنا البعض و نستغل ادنى الفرص لاهدار كراماتنا , كما لو كنا نعانى نوعا من الانتقام الذاتي .

دعونا قبل ان نقذف الشعب التونسي بالحجارة ان ننظر و لو لوقت قليل الى حالنا في مصر , و لتتحلوا معي بقليلا من الصبر قبل ان نبدأ في حشد قواتنا لسحق الشعب الجزائري , و لنسترجع معا بعض المواقف التي تحدث على ارض هذا الوطن بشكل يومي دون انقطاع و لنحكم في النهاية ان كانت كرامة المصري لا تزال تحتاج لمن يهدرها و يهينها .

الا تعتقدون ان في الاستبداد مهانة , الا تتفقون معي في ان كتم الافواه و كبت الحرية شيء مهين , الا تجدون اي اهدار للكرامة في الخضوع و النخوع و الاستسلام لامر يراد لنا ان نظن انه واقع . انها السقطة الاولى , فكرامة الشعب المصري لم يعد لها وزن عند هؤلاء القابعين فوق صدورنا , فعندما يسجن الشباب دون وجه حق و دون اية تهمة سوى انهم مصريين يحلمون بالحرية  و عندما تتعرض الفتيات للتحرش الامني و غير الامني لا لشيء سوى انهن اردن ان يكن صوتا مصريا حرا , و عندما يسكن المصريون في المقابر , و يقتاط الشعب المصري من اكوام القمامة , و عندما يسقط نصف المصريون تحت خط الفقر , و عندما تصبح اللحوم و الدواجن حلما رومانسيا لاغلب الشعب المصري , فلا كلام يصلح اذا عن كرامة هذا الشعب , فهل هناك ماهو مهين اكثر من فقدانك ابسط حقوقك في الحياة ؟ الاجابة بالطبع دون اي تردد هي لا . و هل هناك ما هو اشد قسوة من ان تشعر و كأنك مواطنا من الدرجة الثالثة على ارض من المفترض انها ملكك ؟؟ لن انتظر منكم اجابة مختلفة عن سابقتها .

قد اجد مبررا و ان كان غير مقبول لمن يقتل من اجل ان يأكل او من يقتل قبل ان يقتل , ففي النهاية ما نحن الا فردا ضمن مملكة حيوانية اعتادت على مثل هذا الفعل , و ان كنا قد طورنا تلك المباديء الانسانية التي من واجبها ان تحكم تلك الغرائز الحيوانية . و لكن هل من المعقول باي حال من الاحوال ان نكسر تلك القواعد و ان نحطم تلك المباديء من اجل تعصب اعمى لفريق كرة قدم , او من اجل التصارع على طابور التذاكر في مترو الانفاق , او لمجرد ان احدهم قد وطأ على قدمك دون قصد ؟؟ بل اننا نحطمها حتى لما هو اهون بكثير من تلك الاسباب التافهة . انها سقطتنا الثانية , فلقد صارت الهمجية و الوحشية صفة شديدة الاقتران و مع الاسف بالعديد من افراد الشعب المصري , فلا يمكن ان اجد اي مبرر مثلا لحادثة حرق مشجع زملكاوي من قبل مشجعي الاهلي و لا استطيع ان اتصور ظلام هذا العقل الذي خطط لازالة قضبان القطار الذي يحمل جمهور النادي الاهلى العائد من الاسماعيلية في تلك الحادثة المشهورة , و لا يمكن ان اتخيل مدى القسوة التي تتمتع بها تلك القلوب التي تلتف حول شابا ما و تقتله ركلا و لكما لمجرد انه حاول منعهم من معاكسة احدى الفتيات و هو ما اصبح يحدث بشكل شبه يومي , لا يمكن تخيل مدى الاهانة التي تتلقاها الفتيات في الشوارع المصرية بسبب التحرش الذي صار جماعيا !! و لا يمكن ان انكر اننا نهدر كرامتنا بقسوة و تلذذ مرضي , و اعترف بكل شجاعة ان نسبة ليست بالقليلة صار يتمتع بهمجية تفوق هؤلاء الذين نصفهم بالهمجية .

قبل ان نتحدث عن هؤلاء الذين اهدروا كرامة الشعب المصري علينا ان نحاسب انفسنا و ان نواجهها بصدق و شجاعة و لو لمرة واحدة , مرة واحدة قد تحدث الفارق , قد تعود بهذا الشعب الى ادميته و تحضره الذي لطالما تغنينا بها على مر التاريخ , علينا ان نستفيق , ان نغير و نتغير , فانا مؤمن باننا لا زلنا نملك تلك القوة تلك الملكة و ان كانت قد طمست تحت تراب الاستبداد و الظلم و الهمجية الا انها و بالتأكيد لا تزال موجودة داخلنا . و ان كنا رضينا بالخضوع و الاستسلام لهمجيتنا و لمن يستبدنا فعلينا الا نتحدث اذا عن تلك الكرامة ( المزعومة ) و لتتوقف تلك الحناجر الانترنتية و الفيسبوكية عن النواح عن كرامة الشعب المصري فلقد نفذت مسكنات الصداع من الاسواق و لنقتنع جميعا بالمثل المصري القائل : اللي بيته من ازاز مايحدفش التوانسه بالطوب .

ليست هناك تعليقات:

Facebook Badge