الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

روح النصر من اجل اكتوبر الاخر



كلما جاءت ذكرى انتصارات يوم السادس من اكتوبر المجيد , و انطلقت تلك الاغاني الوطنية الساحرة تشدو بحب مصر من خلال الاذاعات و شاشات التلفزيون , كلما حاولت ان استحضر مشاعر هؤلاء الذين عاصروا هذا الحدث الذي قدر له ان يكون الاعظم في تاريخ مصر الحديث , و قتها ادرك قدرة المصريين على تحويل الانكسار الى نصر يشدو به الابناء جيلا بعد جيل . لقد استطاع ان يخلد ابطال اكتوبر اسماءهم بحروف من ماء الذهب في تاريخ مصر القديم و الحديث و المعاصر , بدءا من السادات مرورا بالشاذلي و الجمسي وصولا الى اصغر مجند في الجيش المصري , هؤلاء الذين استطاعوا ان ينسجوا تاريخا يتباهون و يتشرفون به كلما التف حولهم ابنائهم ليستمعوا الى تلك الذكريات الرائعة التى جعلت الشعب المصري قادرا على رفع رأسه فخرا بدماء شهداءه الذين لم يترددوا و لو للحظة واحدة في ان يضحوا بارواحهم من اجل هذا الوطن . هؤلاء هم المصريون الذين قرأت عنهم في كتب التاريخ , عاشقون لمصر صانعون للحضارة و التاريخ و الفن الخالد , و ان اردنا ان نتحدث عن هذا الشعب بداية من احمس نهاية بابطال اكتوبر فما على العالم الا ان يجلس و يستمع .

منذ فجر التاريخ و بزوغ شمسالضمير الانساني احترف المصري القديم صنع الحضارة و سبق العالم في الوصول الى اول مجتمع مدني مؤسسي عرفه التاريخ , و استطاع ان ينقش على الحجارة تاريخا لا يزال يجذب العالم حتى الان و ينحني امامه المؤرخون و الفلاسفة على مر العصور , و توالت الحقب و الازمنة بين انتصارات و زهو و انكسارات و اضمحلال , و بقت مصر شامخة قوية و بقيت على عهدها مع العالم  منارة للفكر و التمدن و الفن , و انجبت من الابناء من برعوا في كافة مجالات الحياة من حولوا الانكسارات الى انتصارات من جعلوا من الكلمة فنا و لحنا يتغنى به التاريخ .

قد تقولون ها انت تكرر على مسامعنا كلاما عرفناه و حفظناه جيدا , و انه ما من فائدة تذكر للتغني بامجاد الماضى او البكاء عليه , و لماذا نهتم بالتاريخ الزاهي ان كان الحاضر قد اغرقنا في الظلام ؟

الجواب باختصار هي قاعدة معروفة للجميع و هي ان ما لا ماضي له .. لا مستقبل يرجى منه , و ان كنا لا زلنا نتذكر ان هذا الوطن كان تجسدا حقيقيا للعظمة و الحضارة على مر الازمنه فلما اذا وصلنا لما نحن عليه الان ؟ علينا قبل ان نجيب على هذا التساؤل ان نحاول الفصل بين الحكومات و الانظمة التي توالت على مصر و بين مصر ذاتها التي لا يمكن ان تختصر في شخص مستبد او حاكم فاسد او حتى في شعب لا مبالي , فما نحن سوى لحظة في تاريخ هذا الوطن . اما الوطن ذاته فهو اكبر من هذا بكثير , هو الارض السماء التاريخ و الحضارة , هو الذكريات الني نحملها منذ طفولتنا , هو انجذابنا العجيب لمناجاة النيل في اوقات الحزن , عشقنا لنسمات الصيف على شاطيء الاسكندرية , فخرنا في كل مرة نقف فيها امام الاهرامات , انفعالنا لاي كلمة تسيء الى الوطن , شوقنا اليه عندما نرحل , دموعنا اوقات الانكسار و فرحتنا وقت الانتصار , التفافنا حول العلم في مباريات الكرة , الوطن هو الاهل و الاصدقاء و الذكريات التي لا يمكن محوها و ان حاولنا , هو هذا العشق الذي جعل الملايين على مر التاريخ يضحون بارواحهم من اجله . لم تكن مصر افضل حالا بكثير قبل السادس من اكتوبر عن يومنا هذا , بل اظن ان الوضع كان اشد قسوة مما هو عليه الان , فما ذلك الذي يمكن ان يتساوى مع احاسيس النكسة ؟ اي احساسا يمكن ان يضاهي عدم شعورك بالامان و انت في منزلك خوفا من غارة جوية تطبقه عليك ؟ و ما الذي يمكن ان يكون اشد قسوة من ان تغتصب الارض ؟ و لا تظنوا اصدقائي ان الشعوب التي تعايش اقتصاديات الحرب يمكن ان تتمتع باية مميزات من اي نوع . و رغم كل هذا لم يرض هذا الشعب بالاستسلام , لم يدفن المصريون رؤوسهم في الرمال , خرج الطلاب في مظاهراتهم و انتعشت التحركات السياسية داخل مصر , و ذهبت الفتيات الى العمل التطوعي في مجالات كالتمريض , و تغنى الفن المصري باعظم ما يمكن ان يقال عن الوطن . لم يحاول احد ان يهرب , لم يعلن احد فقدانه الولاء , لم تنكس كرامة الشعب المصري , فكانت النتيجة من نكسة الى انتصار .

دعونا اذا نعقد مقارنة بسيطة بين هؤلاء المصريين و بين ما اطلق عليهم المصريون الجدد !! و لا استطيع ان اعمم هذا المصطلح على الجميع فلا يزال داخل هذا الوطن رجالا و نساء شباب و فتيات لا يختلفون عن اسلافهم من المصريين الحقيقيين . و لكن يصلح هذا المصطلح على هؤلاء الفاسدون المفسدون الذين يتلذذون في اغتصاب خيرات هذا الوطن , و على هؤلاء الذين يحمونهم و يساندونهم و يمدوهم بالمظلة السياسية التي تحصنهم , و على هؤلاء الذين يسكتون عليهم و يرتضون بالذل , يصلح لكل من يحاول الهروب من الوطن دون مبرر سوى انهم لم يحاولوا حتى ان يجدوا الفرصة في التغيير , يصلح لهؤلاء الذين يتاجرون بعقولنا و يتلاعبون بمشاعرنا و يخونون تلك الدماء المصرية مسلمة كانت او مسيحية في حروب الهزيمة و النصر , يصلح لتجار الموت , لمفسدي الذوق , لمن دمروا الفن و اهانوه , لمن يتغنى لل( هو ده و هي دي ) و لانصارهم من ( مسقطي البنطلونات ) الذين لا يعرفون لوطنهم تاريخا و لا يملكون لحاضرهم هوية , لكل من انتهك حرمة هذا الوطن و هذا المجتمع . فيكفينا فقط اذا ان نعرف مصطلح المصريين الجدد و سندرك تماما لمن ستؤول نتيجة تلك المقارنة التي لن يظلم فيها الا مصر .

و ها هي ذكرى السادس من اكتوبر تطل علينا من جديد للمرة السابعة و الثلاثون و حال المصريين يتحول من سيء لاسوأ مكتفين بالسب و اللعن على الحكومة و الوطن و انفسنا , دون ان نحاول اي محاولة جدية لتغيير ما نحن عليه , لاعادة تلك الصورة التي كانت عليها مصر على مر التاريخ , لاعادة بث روح الانتصارات في قلوبنا علها تقودنا الى تغيير حقيقي , الى غدا نحلم به , الى نصر جديد و الى اكتوبر اخر نحكي ذكرياته لابنائنا الذين سيقفون امامنا يوما ما يسألوننا ماذا فعلتم لمصر ؟؟ ماذا فعلتم لنا ؟؟ و قبل ان يأتى هذا اليوم علينا ان نقرر ما سنورثه لابنائنا , و هل سنجعلهم يفخرون بنا كما نفخر نحن بما حققه ابائنا في اكتوبر ام سنتركهم يضيعون مفتقدين للهوية و الانتماء للوطن ؟

ليست هناك تعليقات:

Facebook Badge