الاثنين، 10 يناير 2011

الطريق الى كنيسة القديسين - الجزء الثاني

في نهاية الجزء الاول توقفنا عند مرحلة انتشار الفكر السلفي بصورة اكثر شمولا مما كانت عليه قبيل نهاية العقد الاخير من القرن العشرين , فلم تكن مصر بمنأى عن السلفية الوهابية قبل ذلك بطبيعة الحال و لكن ماحدث هو تحول اتجاه ذلك الفكر المتشدد من سيطرته على الفئات المهمشة من المجتمع الى انتشاره بين كافة اوساط المجتمع ليعد احد المرجعيات الاساسية للفكر الاسلامي بمصر .

قبل ان نخوض في تحليل تلك المرحلة من تاريخ مصر علينا اولا ان نفهم الفارق بين جماعة سياسية كالاخوان المسلمون و بين الجماعات السلفية الوهابية .. كلاهما يتشابه في هدف الوصول الى اقامة دولة على اساس ديني و لكن الفارق الرئيسي يكمن في طبيعة الاسلوب المُتبع لتحقيق هذا الهدف .. فان جماعة الاخوان المسلمون تستهدف السلطة بصورة مباشرة بينما لا تهتم بالمستوى الشعبي في كافة الاوجه , فتهتم على سبيل المثال بالسيطرة على نقابة من النقابات على ان تستقطب حيا من احياء القاهرة , تهتم بالوصول الى مقاعد برلمانية على حساب الوصول الى المواطنين انفسهم من خلال المساجد , فالاخوان المسلمون جماعة سياسية من الدرجة الاولى تعمل بنظام الدويلة التي تسعى للوصول الى السلطة و من ثم تستطيع فرض طبيعة اصوليتها على المجتمع ككل .. اما الحركات السلفية فاهتمامها منصب على قاعدة الهرم .. القاعدة الشعبية .. فالفكر السلفي فكرا استاتيكيا غير قابل للتحور و التطور و بالتالي فهو لا يصلح للعمل السياسي بل ان اقترانه بالسياسة التي تتميز بالديناميكية يعني الموت المحقق له , و عليه فانها لا تسعى بصورة مباشرة لانتزاع سلطة او فرض سيطره بل انها تطالب بعدم الانقلاب على الحاكم ايا كان سلوكه او مدى ظلمه , بينما تصوب سهامها نحو المجتمع ذاته .. فليبقى الحاكم ظالما كافرا كما شاء اما المجتمع فعليه ان يكون سلفيا خالصا .. و دون الخوض في تعريفات و اصطلاحات قد نفرد لها مقالا اخر فيما بعد , تعالوا ندرس اثر ما سبق ذكره على الحياة الطائفية في مصر .

وجدت الحكومة المصرية - كما ذكرت في الجزء الاول – نفسها في مواجهة شعب يرى ان السبب الرئيسي لما يحدث له من تدني هو البعد عن الدين , و كان في ذلك فرصة للاخوان المسلمون لاعادة تنظيم صفوفهم و اتساع قاعدتهم , و لكن الاخوان المسلمون جماعة سياسية , شوكة في ظهر الحكومة ( اتفقنا معها او اختلفنا ) و لذلك كان على الحكومة المصرية ان تخلق او تدع مجالا للبديل الذي قد يلتف حوله المتدينون الجدد دون النظر الى الاحوال السياسية .. صدق من قال ان الدين افيون الشعوب .. فاراد النظام الحالي ان يعطي شعبه تلك " الافيونة " التي قد تسكن الامه دون ان تحاول ان تصل الى الحل الجذري لتلك الالام , و تحقق للنظام ذلك من خلال الدعوة السلفية التي اُطلقت يدها في المجتمع المصري دون رقابة تذكر سوى فيما يتعلق بأي محاولة منها لخوض الشارع السياسي , و هو مالم يحدث من السلفيون على اية حال .. وُجد السلفيون ليبقوا و ليكونوا قوة لا يستهان بها , تمويل لا ينقطع – مصادر لا تتوقف – تدريب على غسيل الدماغ على اعلى المستويات و عقول متلقين مُخدرة لا تفكر , كنز تحلم به اي جماعة او منظمة في العالم .. استطاع السلفيون في مدة قصيرة ان يغيروا من طبيعة المجتمع المصري من خلال اطلاق ايديهم في المساجد بالاضافة الى القنوات الفضائية التي تزداد يوما بعد يوم , ففي عشرة اعوام استطاع الفكر السلفي الوهابي ان ينشر ما يفتخر به الان ( الصحوة الاسلامية ).

الصحوة الاسلامية كما يطلقون عليها او الصحوة المظهرية الاسلامية كما احب ان اضيف اليها , تلك التي اختصرت الفكر الاسلامي في لحية و غطاء رأس و حولت السماحة المصرية الى كراهية و حقد .. يفخر السلفيون بانهم استطاعوا نشر ثقافة الحجاب مهما كان سلوك من ترتديه , يفخرون بنشرهم طبيعة التمييز في الشكل بين المسلم و غير المسلم , بنشر ثقافة العداء مع كل ماهو غير اسلامي , فتحول العداء الموجه الى المجتمع ككل من مجموعة من المختلين عقليا المهوسون بدولة دينية الى عداء متبادل بين قسمي الوطن , و صرنا نستمع الى مصطلحات جديدة مخيفة تؤجج الخلاف الطائفي و تزيده اشتعالا .. و لكن الم يكن هناك مستفيدون اخرون من هذا الوضع ؟

الحكومة و اقباط المهجر ....

حتى تصبح ديكتاتورا عليك ان تعمل دائما على تقسيم هموم ابناء شعبك الى ملفات مستقلة صغيرة تسعى كل فئة للعمل عليها دون النظر الى باقي المشكلات الاجتماعية الاعم و الاشمل , و بتقسيم الملفات ينقسم المهتمون بها كل حسب اغراضه فلا تصبح الوحدة و التكاتف امرا مطروحا .. اقنع النظام المصري القيادات المسيحية بأن هناك خطر داهم يسمى بالاخوان و الاسلاميين و صوروا لهم صورة لمستقبل دموي ينتظرهم اذا استطاع هؤلاء الوصول الى السلطة , فساعد النظام بمعاونة متأسلمة على تأكيد الشعور بالخوف لدى الاقلية المسيحية تجاه الاغلبية المسلمة مما يزيد من تمسك تلك الاقلية بالنظام الحاكم الذي يضمن لها سلامتها .. عُقدت الصفقات مع البابا شنودة كما عُقدت من قبل مع الاخوان المسلمون .. فلنتقاسم الادوار فيما بيننا و ليذهب المتفرجون الى الجحيم ..

في الوقت ذاته وجد من يسمون انفسهم بأقباط المهجر الفرصة سانحة مهيأة لابتزاز الحكومة المصرية من آن لأخر , ملوحين في وجه النظام المصري بملف كتب عليه الاقباط و رسم عليه علم الولايات المتحدة الامريكية .. هؤلاء الذين يعيشون في نعيم الغرب لا يشعرون بمهانة المصريون على ارضهم كيف لهم ان يدافعوا عن مواطن مصري لا يعلمون عن مشاكله الحياتية اليومية شيئا .. في رأيي الشخصي المتواضع لا يقل اقباط المهجر عنصرية عن تلك التي يتمتع بها الاسلاميين , فكلاهما يعبث بمقدرات المصريين من اجل تحقيق مآربهم الشخصية , حتى لا تنقطع " السبوبة " التي تلقى بها الحكومة الامريكية لهم من حين لاخر .. يعلو صوت اقباط المهجر و تقوى شوكتهم يوما بعد يوم مستندين على ما نقدمه نحن بأيدينا لهم يوما بعد يوم .
من امام كنيسة القديسين ....

اذا اردنا ان نجمع كل ما سبق في نقاط محددة سنجدها تقودنا تلقائيا لتقف بنا امام كنيسة القديسين منتظرين حدوث الانفجار , منتظرين لكارثة .. بات العداء جليا واضحا بين المسيحيين و المسلمين على المستوى الاجتماعي تحت مظلة دينية , اصبح لفظ الكفار يطلق بكل سهولة على منابر المساجد و صار لفظ المجرمين يطلق بذات السهولة في عظة الاحد بالكنائس , و ظل المنتفعون من الجانبين يمارسون لعبتهم الخطرة على عقول متبعيهم مسلوبي الارادة و العقل .. فمن يستطيع ان يجادلك اذا كنت تتحدث باسم الرب .. انقادت الجماهير من الجانبين كالقطيع وراء الكراهية و الحقد , و صار الحديث عن من اسلم و من تنصر عادة يومية تصحبها اللعنات و السباب من الجانبين .. توحد المسلمون على قضية وفاء و كاميليا , لم ينتفضوا من اجل من يموتون في " طوابير العيش " لم يثوروا من اجل حقوقهم المسلوبة كمواطنين مصريين يعيشون على ارض مصرية , و كأن اسلام وفاء او كاميليا سيعيد امجاد الاسلام المنصرمة و كأنه سيعيد بعث رسول الاسلام الى الحياة و كأنه سيجعلنا دولة متقدمة تتباهي بتطورها بين الامم .. حقا نحن امة ضحكت من جهلها الامم .. و بينما يحشد دعاة الجهل السلفيون جيوش الحقد و بينما يستغل القساوسة و الاباء ذلك الحقد من اجل زيادة ارتباط شعب الكنيسة بهم , وقف النظام المصري موقف المحرك لخيوط اللعبة بأكملها .. فلماذا يترك النظام المصري دعاة السلفية يؤججون النيران لماذا لم يوقف ثورة وفاء و كاميليا ايقافا نهائيا بصورة عملية , لماذا لم يحاسب مرتكبي مذبحة نجع حمادي حتى الان و لماذا ايضا يحاول ان يظهر بصورة الراضخ للاوامر الباباوية بين الحين و الاخر .. الاجابة و بكل بساطة هي ان ذلك النظام يريد لنا ان نبقى متناحرين , قد يقرص الاذن قليلا اذا حاولنا الاشتباك بعنف و لكنه ابدا لن يحاول ان يعالج المشاكل التي تسبب فيها .

لن احاول ان ادخل في تفاصيل واقعة كنيسة القديسين ذاتها , فلست انا الذي يستطيع ان يجزم بأن الفاعل هو فلان او فلان , و ليست تلك هي مهمتي , و لن اتحدث عن القاعدة او الموساد او امريكا , حتى انني لا اهتم حقا بمعرفة من الجاني في حادث الاسكندرية .. يكفيني انني اعلم اننا كلنا وراء هذا الحادث , كلنا مسؤولون عنه .. فاذا افترضنا ان الفاعل مصري مسلم تقوده نيران الحقد و الكراهية لشركاءه في الوطن , فنحن المسؤولون عن ترك تلك الافكار الجهنمية التي ضربت كل مفاهيم السماحة عرض الحائط .. و اذا افترضنا ان الفاعل جهة اجنبية , فنحن ايضا المسؤولون عن نقطة الضعف - التي تسمح لاي عدو بأختراقنا - المدعوة بالاحتقان الطائفي .

الطريق من كنيسة القديسين ...

حدث الانفجار و وقع الحدث .. كتب من كتب و بكى من بكى .. تضامن من تضامن و هاجم من هاجم .. كلنا شاهدنا على شاشات التلفاز و صفحات الجرائد تلك المظاهرات التي قامت في كل انحاء مصر , بعضها من المسيحيين الغاضبين و البعض الاخر تضامنية بين المسلمين و المسيحيين و في الحالتين كان هناك الصادقون في مشاعرهم و كان هناك ايضا المستفيدون الاكلون على كل الموائد .. و لكن هل تكفي حقا المظاهرات و التضامنات علاوة على الشجب و الاستنكار و زيارة شيخ الازهر للبابا ليمطره بوابل من القبلات ؟؟ قد تفلح تلك المسكنات في اخماد الحريق المشتعل نوعا ما و لكنها ابدا لن تحل شيئا من اصل المشكلة , فعندما يقع الحدث القادم سيزول اثر تلك المسكنات مجددا .. نعم عندما يقع الحدث القادم اقولها بكل ثقة لانه حتما سيقع لو لم نستطع ان نقتلع اسباب المشكلة من جذورها .. علينا ان نسير في الطريق الذي يضمن لنا تجنب ذلك السيناريو الوهمي الذي افترضته في بداية الجزء الاول من هذا المقال .

في الجزء الثالث و الاخير نتابع الطريق من كنيسة القديسين الى بر الامان .


share it

ليست هناك تعليقات:

Facebook Badge