الثلاثاء، 1 مارس 2011

الثورة .. الفيسبوك .. و نظرية "لا الرأي ولا الرأي الاخر"

كما هي العادة لا يمكن ان يتفق الجميع على شيء واحد, فلقد اختلف البشر فيما بينهم منذ بدء الخليقة على كل ما تحتويه الحياة من عناصر و مكونات, بدءا من فيلم سينمائي او اغنية عاطفية وصولا الى الاله ذاته. و كان من الطبيعي ان يختلف المصريون على تقييم نتائج الثورة المصرية, فلا يمكن بأي حال من الاحوال ان نجزم ان جموع الثمانون مليون مصري قد اجمعت على نجاح ثورة الخامس و العشرون من يناير من عدمه, هذا لو افترضنا جدلا انه يمكن الحكم فعليا الان على نتائج تلك الثورة التي لا تزال تخطو خطواتها الاولى نحو تحقيق اهدافها الحقيقية.

فهدف الثورات الحقيقي لا يمكن ان يكمن فقط في القضاء على نظام ظالم او فاسد, فالثورة التي لا تستطيع بناء نظام اصلح و اقوى تعد من وجهة نظري ثورة قاصرة او ما قد يصطلح عليه البعض "نصف ثورة", و ان كنت اختلف مع البعض في تعريفهم لذلك المصطلح, ممن يعتبرون ان مهمة الثورة هي القضاء التام و النهائي على نظام فاسد و ما يتبعه من افراد, و هو الامر الذي لا يمكن تحقيقه عمليا, فلا يوجد مجتمع على وجه البسيطة لا يعاني من وجود فساد, حتى تلك المجتمعات التي تنعم بالاجواء الديموقراطية الحقه. فالفساد طبيعة بشرية, انكارها يعني انكارنا لكل الجوانب السلبية في النفس البشرية, و لذلك فإن المهمة الاكثر اهمية للثورات هي خلق مجتمع و نظام قانوني يستطيع ان يحكم الفساد الاداري و الفردي. و لا تزال الثورة المصرية تحاول ان تتم خطواتها الاولى في القضاء على رؤوس النظام المخلوع رئيسه و بالتالي فإن الحكم عليها سيكون حكما ناقصا ظالما بطبيعة الحال.

كما انه لا يمكننا ان نغفل العنصر التاريخي الذي يحكم ذات الحكم على الثورات, فما من ثورة في التاريخ الانساني امكن الحكم على نتائجها بعد ايام معدودة من قيامها و قبل حتى ان تتم مراحلها. و الامثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى بكل تأكيد, فالثورة الفرنسية ( 1789 ) و التي اقامت الجمهورية الفرنسية الاولى في التاريخ الفرنسي و الاوربي بصورة عامة و كانت بذرة للافكار الجمهورية فيما تلى من ثورات, يعتبرها البعض ثورة غير ناجحة بكل المقاييس خاصة عندما انتهت على يد نابليون بونابرت باعلانه الامبراطورية التوسعية الاولى ( 1804 ), و رغم ذلك لا يزال يرجع الفضل فيما وصلت اليه فرنسا اليوم كنموذجا للمجتمع الديموقراطي الراقي الى تلك الثورة التي قام بها العامة الفرنسيون. و يقودنا ذلك التحليل البسيط الى النتيجة ذاتها من الفقرة السابقة, فانه لا يمكن بأي حال من الاحوال الحكم على ثورة لا تزال مشتعلة و ستظل..

كان لابد لي ان ابدأ بتلك المقدمة الطويلة نسبيا رُغم انها لا تتعلق بصورة مباشرة بما سأناقشه معكم في هذا المقال, و لكنها في الوقت ذاته محورا لما اثارني لأخرج عن الصمت الذي لازمني طوال ايام لثورة, و محورا رئيسيا لمناقشات المصريون في البيوت و المقاهي و بالطبع الفيسبوك.

لن اتحدث كثيرا عن طبيعة الاختلاف بين المصريين في الشارع عن مراحل او نتائج الثورة, بل سيكون محور اهتمامي هو تلك المجادلات التي تابعتها على الفيسبوك بين من كانوا يظنون انفسهم اصدقاء. و لكن دعوني في البداية اروي لكم بعضا مما عاصرته بنفسي من نقاشات في الشارع المصري و بعدها سنتطرق الى المناقشات الفيسبوكيه و لذلك حكمة سأعرضها عليكم في نهاية المقال. اقرب تلك النقاشات ما يدور بصورة شبه يومية بيني و بين اصدقائي و جيراني, منهم المعارض و المؤيد بطبيعة الحال, و لكن المعارضون خرجوا من نطاق معارضة الثورة الى معارضة استمرارها بصورة او بأخرى او معارضة لتعامل القائمين عليها مع الاوضاع الحالية بطريقة او بأخرى, فلقد لاحظت ان القليلين فقط من عامة الشارع المصري يقفون في جانب معارضة الثورة من اساسها خاصة بعد ما ظهر من قضايا فساد مالي و اداري تزكم لرائحته الانوف, و حتى المؤيدون لاستمرارية الثورة يختلفون فيما بينهم على طبيعة منهجية الاستمرار هذا. و لكن ما لاحظته هو طريقة التعامل بين المؤيدون و المعارضون على جميع المستويات, لاحظت صورة من الرقي و التفاهم رغم الاختلاف, فلم اسجل في ملاحظاتي الشخصية حالة من حالات تحول النقاش الى تشابكات باللفظ او الفعل رغم اختلاف طبيعة الطبقة المادية و الثقافية و الاجتماعية بين مَن ناقشتهم مِن مؤيدون و معارضون. و هو الامر الذي لم الحظه في مناقشات يُفترض انها اكثر رقيا و ثقافة بين من يعتبرون انفسهم راقين مثقفين من رواد موقع التواصل الاجتماعي " الفيس بوك " .

فذلك الموقع الذي كان اعضاءة يتفاخرون بأنهم منظمي الثورة المصرية, و بأنهم خيرة من انجبت مصر, يقفون الان – من وجهة نظري – وقفة مخزية على جانبي صراع لم يعد له سبب منطقي, و ان كان الاختلاف في الرأي ظاهرة صحية نحن في اشد الحاجة اليها الان, الا ان الاختلاف الذي وصل اليه من اعرفهم على الفيس بوك لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يُعد ظاهرة صحية, بل هي ظاهرة تدعو الى الاشمئزاز من اسلوب الحوار المتدني اللااخلاقي بين مُدعي الرقي من الجانبين, و ان كنت غير مقتنع بطبيعة النقاش ذاته حول نجاح او فشل الثورة المصرية لما ذكرته من اسباب في بداية المقال الا انني اقف مع الحوار بصورة عامة, فتلاقي الافكار حتى و ان كانت على جانبي النقيض هو الامر الذي يمثل الديموقراطية التي نبتغيها و التي لا اظن ان هناك شخص سوي قد يعترض عليها, فلم يكن لدي اية مشكلة مع هؤلاء الذين خرجوا الى ميدان مصطفى محمود – الصادقون منهم غير المأجورين - يوم الاربعاء 2 فبراير للتعبير عن رغبتهم في الاستقرار او حتى بقاء مبارك, فمادمنا ننادي بحرية التعبير علينا ان نحترم حرية الاخرين في التعبير عن ارائهم, اما عندما تحول التعبير عن الرأي الى التحام مجموعة من البلطجية المأجورين مع الشباب المعتصم في ميدان التحرير كان على موقفي ان يتغير رغم الاحترام الذي لا زلت اكنه لكل من قال رأية بحرية و عن اقتناع حتى و ان كان يخالفني هذا الرأي. و لا يختلف موقفي هذا مع من يتبعون ذات الاسلوب من الجانب الاخر الذي اُحسب عليه ( الثوريون ) , فحريتك في التعبير و الرأي لا تعني تعديك على حرية الاخرين في التعبير عن نفسهم و عن معارضتهم لرأيك, و هو الامر الذي لا يتعلق في النهاية بمؤيد او معارض او مخالف بصورة عامة, بل للاسف يتعلق بطبيعة و ثقافة نسبة كبيرة من الشعب المصري على كافة مستوياته و اختلافاته.

و هو ما تبين لي من خلال متابعتي لما لا استطيع ان اطلق عليه لفظ نقاش, اقربها كان بالامس عندما قرأت " حوارا " دار بين مجموعة من الاصدقاء على الفيس بوك, حوارا اقل ما يقال عنه هو انه بعيد كل البعد عن ابسط قواعد الاحترام و الديموقراطية و حتى الانسانية, فلقد خلع هؤلاء رداء الثقافة و التحضر لتظهر طبيعة مخيفة لا تختلف عن طبيعة هؤلاء الذين لا هم لهم سوى "جر الشكل" في الحارات و الازقة المصرية, حوارا يفتقر الى الموضوعية و التحضر و المنهجية في النقاش, ناهيك عن ما ذكرته في السابق من ان الوقت لا يزال مبكرا جدا لمناقشة نتائج الثورة المصرية, اخذ كل جانب من المتحدثون على عاتقه مهمة تبرير موقف لا يحتاج في الاصل الى تبرير, تحول مع الوقت الى شخصنة للامور و سباب مُخجل, لينتهي بطبيعة الحال الى ما يسمى بـ " الردح و فرش الملاية" على حد تعبير المصريين. و رغم موافقتي بطبيعة الحال لاتجاهات بعض منهم اتفاقا لا يحمل مجالا للشك الا ان اخلافي مع هذا الاسلوب اللااخلاقي اختلافا لا يحمل مجالا للشك ايضا, كلاهما مخطيء و كلاهما مذنب, كلاهما لا يزال امامه الكثير حتى يتعلم ابسط قواعد الديموقراطية و احترام الاخر, و كلاهما يؤمنون بنظرية ساعد على بناءها نظام فاسد بكل المقاييس, نظرية " لا الرأي ولا الرأي الاخر " .

ان ما قرأته في الايام الماضية من نقاش تحول الى سب لا يرتقى لما نشاهده في الاسواق المحلية في الشوارع المصرية, هو امرا يبعث على الحزن و الخوف على مستقبل مصر, فان المستقبل الحقيقي لهذا الوطن لا يكمن فقط في التغيير الرأسي لنظام فاسد او ظالم, بل ان الثورة الحقيقية هي ثورة افقية تهتم بتغيير سلوك المجتمع تعمل بالتوازي مع تلك التي تعمل على تغيير المظلة المجتمعية التي تساعد على تقدم افراد الشعب و رقيهم, و هو الامر الذي لن يتحقق ابدا اذا كانت تلك هي صفات من يظنون انفسهم متحضرين .. مثقفين .. فوق العامة, بل ان العامة في الشوارع المصرية صارت ارقى و اكثر وعيا منهم, فعلى الاقل لم يعد العامة يكيلون لبعضهم الشتائم و السباب حين يختلفون في الرأي .

لقد قامت الثورة و انتهينا على حد تعبير المصريين, و لم يعد هناك مجالا للنقاش فيما قبلها, و لا يزال الامر باكرا للحديث عن نتائجها, دعوها تعمل دعوها تمر دعوها تستمر, و من يريد منكم حقا ان يقدم شيئا لمصر فعليه ان يتناقش في جو ديموقراطي مبني على احترام الرأي الاخر من اجل الوصول الى الاهداف التي ستعم بالخير و الحرية على المجتمع المصري كله, و ان كنتم غير قادرين على احترام انفسكم و الاخرين فالافضل لكم و لنا ان تصمتوا, ففي صمتكم وقتها كل الخير ....



share it

ليست هناك تعليقات:

Facebook Badge