الأحد، 20 مارس 2011

ماذا بعد الاستفتاء - (1 ردود الفعل)

اكتب تلك السطور قبل ظهور النتيجة النهائية الرسمية للاستفتاء على التعديلات الدستورية, و ان كانت النتيجة واضحة بغلبة من قالوا نعم على حساب من قالوا لا, و هي النتيجة التي توقعها الكثيرون حتى ممن صوتوا برفض التعديلات, و لكن اغلبهم نسى او تناسى ذلك التوقع ما ان بدأت النتائج الاولية في الظهور, فلم يكن من ضمن توقعاتهم ان تكون النتيجة في بعض اللجان قد تصل الى ذلك الاكتساح بالموافقة على تلك التعديلات. على المستوى الشخصي كان لدي تفاءل او ربما امل في ان تكون النتيجة هي رفض التعديلات رغم انه كان لدي احساس داخلي بأن النتيجة الحتمية هي قبول التعديلات الدستورية.
نتيجة حتمية ؟ نعم .. حتمية. لماذا ؟ لان كل المؤشرات المنطقية في الشارع المصري كانت تتجه بصورة كبيرة صوب قبول التعديلات. لماذا ؟؟ للجواب على هذا السؤال علينا ان نستكشف بعض النقاط التي ادت الى حتمية الوصول الى نتيجة "نعم".

في البداية علينا ان نُفصل و نحدد الطبقات التي ذهبت للتصويت على الاستفتاء السبت الماضي, و بنظرة سريعة على اماكن اللجان و مدى الاقبال عليها سنجد ان تلك الطبقات قد شملت للمرة الاولى في تاريخ مصر كافة طوائف الشعب المصري, مما يعني انه لدينا : عمال – فلاحين – اصحاب المهن اليدوية – التجار الصغار و اصحاب المحال البسيطة – موظفون حكوميون – ربات بيوت – عجائز , كل ما سبق كان من الطبيعي ان يميل لاختيار نعم, ليس فقط بدعوى الدين و لكن هناك سبب اخر حاولنا نحن تناسيه و هو الحال الاقتصادي, فعامل اليومية و الفلاح و الحرفي و التاجر يربطون بين الاستقرار السياسي و بين الاستقرار الاقتصادي, و هو الامر الصحيح بطبيعة الحال و لكنهم لا يعلمون ان الموافقة على التعديلات الدستورية لا يعني بالضرورة حالة استقرار سياسي, و هو ما لم ينتبه له احد من الذين ركزوا كل تفكيرهم على ما سيفعله الاخوان من استغلال للنازع الديني من اجل تحقيق مصالحهم السياسية. فلقد كان تركيز ما يطلقون على انفسهم "النخبة المثقفة" على تحركات الاخوان في الشارع المصري و رغم ذلك وقفوا فقط موقف المتفرج و المحذر احيانا دون ادنى محاولة منهم للتدخل بشكل فعلي لتوعية البسطاء الحالمين باستقرار فوري ينطلق فور اعلان اقرار التعديلات الدستورية, اتخذ هؤلاء النواح و البكاء و الصراخ وسيلة من اجل مواجهة منظومة قوية تعمل على مدى ثمانون عاما من اجل تحقيق اهدافها, استغلوا البسطاء و تفاعلوا مع جهلهم بامور الحياة و الدين و لكنهم ابدا لم ينعتوهم بالعبيد و الجهلاء و الاغبياء كما فعل البعض منا.

نعود الى نقطتنا الاساسية و هي ان نسبة كبيرة ممن شاركوا في الاستفتاء و اختاروا نعم لم يحددوا اختيارهم بسبب قيادة دينية معينة, بل وصلوا الى تلك النتيجة بتحليل منقي "من وجهة نظرهم البسيطة" للأمور. كلمة السر الاستقرار.. و هي التي حددت معالم اختيار طبقات مثل موظفي الحكومة و ربات البيوت و العجائز, لقد رأى موظفي الحكومة ان تلك الحالة من الاستقرار الوهمي او المؤقت قد تساعدهم على استمرار مطالبتهم بتحقيق المطالب الفئوية التي يعتصموت يوما بعد يوم من اجلها, فانشغال الشعب المصري و القيادة المصرية في الدستور الجديد سيكون عذرا حقيقيا تتصدى به الحكومة لتحقيق تلك المطالب, اما عندما نصل الى تلك الحالة من الاستقرار المزعوم فلن تمتلك الحكومة الاعذار التي تمنعها من النظر في تحقيق تلك المطالب. ذات الكلمة "الاستقرار" هي التي دفعت ربات لبيوت و العجائز من الميل الى الموافقة على التعديلات و لكنهم يختلفون فقط في رؤيتهم للاستقرار حيث ينشد هؤلاء الاستقرار الامنى و الاجتماعي رابطين بين ما روج له من حالة الفراغ السلطوي في حالة اختيار لا و بين انتظام حالة الحياة اليومية مثل امن الشارع و انتظام حركة الدراسة في المدارس و الجامعات. كل تلك الأمور لم ينظر لها معسكر "لا" بعين الاعتبار, فانشغالهم كما قلت بالتحركات الميدانية للاخوان المسلمون جعلهم يضعون كل من سيقولون نعم في خانة المُغيب الذي سيتبع اجماع علماء دينه, استخدموا ذات الافكار التي تميز الايدولوجيات الدينية : فكل مسلم يصوت بنعم ماهو الى فرد من قطيع جاهل مشى وراء مستغليه من رجال الدين .. بينما لم تطبق تلك القاعدة على المسيحيين الذين قالوا لا فقط لان القيادات الكنسية اوصتهم بذلك او لانهم ارادوا ان يقفوا في معسكر مضاد للحركات الاسلامية السياسية او السلفية. كلاهما من وجهة نظري لا يملك عقلا حتى يحاسب على تصرفاته.

كل ما ذكر في السطور الماضية لم يتعرض الى الشق المتعلق فعليا بما فعله الاخوان المسلمون, ذلك التنظيم الذي يبلغ من العمر ثمانون عاما قضاها في خنادق الحياة السياسية, تنظيما يعلم جيدا كيف يتصرف و كيف يمكنه ان يحشد الناس في لحظات, مستغلا جهل العامة بأمور الحياة و الدين, لاعبا متميزا على اوتار القلوب الراجية عفو ربهم و رضاه. دعوني اواجهكم بحقيقتين فيما يتعلق بالاخوان المسلمون : الاولى هي ان العديد من المسلمين – حتى الذين قالوا نعم منهم – وقفوا في مواجهة الاخوان و تصرفاتهم في طوابير اللجان بالأمس, الثانية هي انه ليس عيب الاخوان ابدا انهم جهة منظمة محددة الاهداف. بل هو عيب المعسكر الاخر الذي اختار ان يقف امام كاميرات المحطات الفضائية او في الندوات التي لا يحضرها الا صفوة المجتمع, بينما تكبر على النزول الى الشارع ليلتحم بمن قامت الثورة من اجلهم, انا شخصيا لم اساهم في الثورة من اجل البرادعي او نور او موسى او غيرهم, لقد كانت مساهمتي نابعة من قناعتي بأن الشعب المصري كله يستحق ان يحيا حياة خيرا من تلك التي يعيشها, كان محركي الرئيس هو ايماني بمصر قبل ايماني بالعلمانية او الليبرالية.

نعود الى ما حدث من ردود فعل عقب اطلاق النتائج الاولية للاستفتاء, لم يتغير شيئا, و كأننا نطالب الشعب بالتعلم و التطور و لا نطبق ذلك على انفسنا, فلقد انطلقت حالة النواح و النحيب على ما فعله الاخوان و الحزب الوطني و الجيش و رجال الفضاء, و انطلقت الدعوات العجيبة بالعودة الى ميدان التحرير مرة اخرى, هل هذه هي الديموقراطية التي طالبنا بها, ان كنا نتهم الاخوان المسلمون باتباعهم ذات اسلوب الحزب الوطني فعلينا ان نقف امام حقيقة هي اننا نتبع اسلوب الاخوان عندما كان يواجه الحزب الوطني, ذات اللغة تتكرر هنا و هناك. عندما اكتشفنا ان مجالات التزوير في غاية الضعف هذه المرة اتجهنا الى اتهام الاخوان بالتحرك لاستغلال الناس و اللعب على اوتار الدين ثم تمادينا بأتهام المعسكر الاخر من العامة بالجهل و الغباء و الانقياد, عذرا اصدقائي فمن يتهم الاخر بالغباء و الجهل لا يختلف كثيرا عمن يتهم الاخر بالكفر, فكما ان عدو المتدين هو الكافر فان عدو المثقف هو الجاهل, بينما الحقيقة هي ان الدين امر المتدين بالدعوة الى هداية الاخر و الثقافة و الفكر امرا المثقف بأنه عليه ان يفيد الجاهل بثقافته و عمله. لا ان نستخدم نقيضنا كلغة للاتهام و صفة للتخلف.

لا يعيب الاخوان ابدا انهم اتبعوا الاسلوب الذين يعرفونه بل عيبنا نحن اننا اكتفينا بالاضواء و فلاشات الكاميرات و ضجيج المؤتمرات و تركنا – لمن نظن انهم دوننا – الشارع ليقودوه كما يحلو لهم. لا زلنا نقتنع ان مصر هي فقط ميدان التحرير و اصرينا اصرارا عجيبا على رفض فكرة ان مصر اوسع من الميدان و اوسع من القاهرة ذاتها. اكتفينا بعمل فيديو على اليوتيوب لا يستطيع ان يشاهده سوى من يملكون القدرة على ذلك و نسينا ان نصف الشعب المصري يخطيء في كتابة اسمه, اكتفينا بمحاورة من هم مثلنا و اعتبرنا العامة عبئا على المثقفين و كأن هؤلاء قد هبطوا على مصر من كوكب عطارد او خرجوا من احد كتب الاساطير, اتهمنا شعبنا بالجهل و التخلف و اكتفينا بنشر دعاوى لمليونيات على الفيسبوك. ليس خطأ الاخوان انهم استطاعوا ان يصلوا الى الشارع و ليس خطأ العامة انهم قاموا بتحليل الموقف من خلال نظرتهم البسيطة, بل ان الخطا كل الخطأ في هؤلاء الذين حتى الان لم يتعلموا من الدرس.

نعم .. لقد قدم لنا الشعب المصري يوم السبت درسا يجب ان نستفيد منه اقصى استفاده, حتى و ان كانت النتيجة عكس ما اردناه فعلينا ان نحترم ارادة هذا الشعب الذي خرج للمرة الاولى في تاريخه الحديث ليدلي بصوته, صوتا هو يعلم جيدا انه سيغير, صوتا نابعا من الحرية, اولى خطوات الحرية هي ان تقوم من بيتك لتقف في طابور لساعات تحت اشعة الشمس القاسية لتدلي بصوتك, من كان يظن يوما ما ان ذلك كان من الممكن ان يحدث, ان الشهداء الذين يتاجر بدمائهم البعض حتى الان لم يستشهدوا من اجل نعم او لا بل استشهدوا من اجل تلك اللحظة التي خرج فيها ملايين المصريين مقتنعين لاول مرة ان مصر اصبحت بلدهم و ان عليهم واجبا وطنيا ليهم ان يؤدوه, ان كنا نقيس نجاح لثورة في انتصار معسكر على معسكر اخر فاني اقيس نجاحها بتلك اللحظة التي وقفت فيها بين جموع المصريين للادلاء بصوتي. ان ما حدث لم يكن هزيمة لمعسكر او فكر بل هو درس علينا ان نستعيده دوما لنتعلم منه, علينا ان نخرج من القاعات المكيفة الى الشارع, علينا ان نقدم للناس ما يحتاجونه حقا, علينا ان نحدثهم باللغة التي يفهمونها دون التفاخر و التباهي ببضع مصطلحات تعلمناها من الاخرين. ان نتيجة الاستفتاء ليست نهاية مطاف بل هي بداية حياة جديدة لمصر ..
share it

ليست هناك تعليقات:

Facebook Badge